علاقتي بكُتب البلادي

الشيخ المؤرخ والجغرافي عاتق بن غيث البلادي ، كنت ولازلت من أشد المعجبين بما أجده في كتبه من غزير علم وعظيم فائدة ، فقد اطلعت على بعض كتبه عندما كانت توفرها لنا ( وزارة المعارف ) في مكتبات المدارس ، فقد كان كتابه معجم معالم الحجاز ، ومعجم قبائل الحجاز ، متوفر على رفوف مكتبة مدرسة ثانوية الكامل حينما كنت طالباً بها ، ولازلت أتذكر شعور السعادة الذي ينتابني عندما أستعيرها من المكتبة وأجد بها ذكر بعض المواضع أو القبائل التي أعرفها أو لها تواجد في منطقتنا ، وأطير بها فرحاً إلى والدي وأقول له انظر هذا الكتاب قد ذكر قبيلتنا! وذكر هذه القبيلة !! وتلك القبيلة! وهذا الموضع وذلك الموضع ، حتى أصبح والدي – رحمه الله – بالرغم من أنه لا يقرأ ولا يكتب ، عندما يشاهدني وأنا أتصفح تلك الكتب يبادر بسؤالي عما فيها من أخبار القبائل والمواقع وبحكم خبرته – والدي رحمه الله – بهذه المواضع والقبائل فكان كثير ما يتحفنا ببعض الأحاديث والتعليقات حولها ، ويصر رحمه الله أن أروي له من أوراق الحربي كما يقول !! ..

ومنذ تلك الفترة وبعد دخولنا الجامعة تطورت علاقتنا بكتب البلادي – رحمه الله – ، واطلعت على المزيد من إنتاجه سواء الجغرافي أو الأدبي ، أما بالاستعارة من مكتبة الجامعة أو بالاقتناء .

وفي السنوات الأخيرة إزدادت علاقتنا بكتب الشيخ البلادي رحمه الله وخصوصا ونحن طلاب في الدراسات العليا ونتخصص في التاريخ الحديث لمنطقة الحجاز بصفه عامة ومنطقة الجموم بصفة خاصة ، حيث لا يمكن لطالب في وجهة نظري خلال هذه المرحلة أن يستغني عن كتب ومؤلفات البلادي وخاصة اللتي تتعلق بالحجاز والمناطق مابين مكة المكرمة والمدينة المنورة سواء كتب البلدانية أو كتب الأنساب أو التراث الشعبي .

وكان أكثر مايميز البلادي عن غيره في وجهة نظري ، أنه رجل نشأ وترعرع مابين بادية الحجاز وحاضرتها وعرف قبائلها وتعايش مع بيئاتها وشهد بأم عينيه مواقعها وجغرافيتها ، وعلم بطبيعة أهلها وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم وأدبهم ، وقد منحته هذه الميزة في الرد على بعض معاصريه وتصحيح بعض ماذهبوا إليه كعبدالقدوس الأنصاري وغيره ، علاوة عن صدق ووضوح منهجيته – رحمه الله – وتجرده من هوى النفس ، ولم يكن من الذين يتعصبون لبني قومه ، ( كما يفعل أغلب المؤرخين اليوم ) ، فكان رحمه الله يروي الأخبار بكل تجرد ومصداقية ، ويقف بنفسه على الأماكن ويتكبد عناء ومشاق السفر من أجل ذلك ، ويناقش ماكتبه من سبقوه حولها بكل صدق وشفافية ، ولا يخرج القارئ لكتب “البلادي” إلا بكثير من الفوائد سواء بتعليق أو استنباط أو بمعلومات يثري بها مادتة العلمية.

أنني خلال هذه المراحل العمرية التي تطورت بها علاقتنا مع كتب “البلادي” ، تغيرت في كل مرحلة طبيعة فهمنا لخبراتنا المعرفية في كل مرة نعيد فيها قراءة كتب البلادي (( وهذه طبيعة البشر )) وقد،  أزعم أنني خلقت مع “البلادي” قصة عشق لما خطت يداه في ثنايا هذه الكتب وخصوصاً مايتعلق بالمواضيع والأماكن مابين شمال مكة المكرمة حتى وادي ستارة ، فهذه المنطقة نعرف أغلب جهاتها جيداً وتجولنا في معظم أوديتها وقراها .

ولذلك سوف أخصص صفحتي هنا ومتى مايسمح لنا وقتنا في الحديث عن هذا الشيخ الجليل وسيرته ومؤلفاته وأذكر بعض الفوائد التي استخرجتها من كتبه – رحمه الله – ، وكذلك سوف أقوم بالتعليق وإيراد بعض الملاحظات على ماذكره حول بعض المواقع في كتابه معجم معالم الحجاز ، ومعجم معالم السيرة النبوية وغيرها من كتبه رحمة الله .

رحم الله الشيخ البلادي وجزاه عنا وعن طلاب العلم خير الجزاء.

مهدي نفاع بن مسلم القرشي

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “علاقتي بكُتب البلادي

ابن بذال

يا لجمال ماسطره الكاتب عن ذلك الشيخ الجهبذ مؤرخا وواصفا للمواضع ونسابة وراوية لايشق غبار سرده التاريخي الجم بغزارة المعلومة وصدق اللهجة وجمال العبارة والموضوعية في الرؤى والحصافة رايا قل ان يجود الزمان بمؤرخا نظيره تعبيرا وتجردا وصراحة اذا استشكل عليه اسم موضع في تحديده بالنعت لموضع وجوده .
فشكرا له ولكاتبنا هذا ابا رعد الذي يشاطرني الرأي في تعلقنا سويا بما ترك لنا مؤرخ الحجاز من إرث مواده البحثية الكثيرة المثيرة التي خلفها وراءه لتثري المكتبة العربية وتجدد بحوثها القديمة عن الرواة والرحالة القدامى ..

متعب الصعيدي

شكراً أخ مهدي
فعلاً المؤرخ علامة الحجاز الدكتور عاتق لم ينل نصيبه من الإعلام
وهو رمز من رموز هذه البلاد ينبغي أن تعرفه الأجيال
وله حق على قبائل حرب
مقال شيق وننتظر القادم منك
شكراً مقدما

محمد الصحفي

نحن يا سيدي أمة لا تتذكر نجومها إلا إذا انتقلوا للرفيق الأعلى :(

ابو سعد الصحفي

لم يكن لدي علم كاف بعلامة الحجاز الا بعد اطلاعي لما كتب عنه في هذه الصحيفة التي أكن للقائمين عليها كل الاحترام والتقدير
وقد قررت الإطلاع على جميع كتب هذا الراحل الكبير الذي جمع بين العلم والورع والأمانة ما أهله ليطلق عليه عدد من الألقاب التي يستحقها بلا ريب .
شكراً شكراً شكراً ولا يكفيك كاتبنا الرائع مهدي القرشي .
إذا لا يكتب عن الكبار الا الكبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *