أرسل أحدهم رسالة يريدها نكتة تدخل السرور ! قال فيها (خلاص غسلت يدي من أهلي ! قالوا له ليش؟ قال: مسوين حفلة لولد أخوي لأنه ختم القرآن ، ومشغلين أغاني).
عندما قرأتها ذكرتني يوم أن كنت معلما للغة العربية و طلبت من الطلاب (نكتا) ثم جعلت منها مدخلا لقراءة حياة الناس من أمثالهم وحكمهم وطرائفهم .. كان ذلك في إحدى حصص النصوص الأدبية آنذاك، ودرس عنوانه (الأمثال والحكم) وقد تفطن الطلاب لذلك وفهموا أنما هي وصف أوتعبير لفكرٍ ما ، يحدد باستمرار لأصحابه أي المسار يختارون لحياتهم ، يختارون فقط ، وإلا فهي سائرة ولو كانوا على فرشهم نياما ، (فالنكتة) والحكمة والشعر وأغلب مايكون من الكلام هو من أصدق الدلائل على حياة شعب ، أو أهل بلد ما . دفعني لهذا القول ماحملته هذه النكتة التي تروي في مضمونها قصة وتحكي فكرا ، وواضح أن هؤلاء لم يكن يهمهم ما أنجزه ابنهم من حفظه للقرآن كاملا ، بقدر ماوجدوه مسببا للاحتفال ! فاحتفلوا ليحتفلوا فقط !
فكان الحفل غنائيا في أنكر مايكون من الظرف ، فالقرآن الذي يحتفلون بحفظه ،فيه الدليل على تحريم استماع الأغاني التي احتفلوا بها !
وكثرة الاحتفال في السنوات العشر الأخيرة تقريبا وتعدد مناسباته أمر ملاحظ ، ولقد دعيت مرة لحفل سماه أهله ( حفل الختم) حيث حصل معرف القبيلة على ختم توثيق رسمي ، وكان حفلا مئويا ، الحضور بالمئات والخرفان التي ذبحت مائة ! (والمصدر من عندهم)
وتسمعون وربما تحضرون حفلات تخرج ، من أولى مراحل التعليم ، بل حتى التخرج من الروضة احتفل به، ويحتفلون بالترقية ، وبشراء سيارة بنظام الإيجار المنتهي بالتمليك ، وبالخطوبة كذلك يحتفل أهل الخاطب حفلا وأهل المخطوبة حفلا في فهم للخطوبة بغير حقيقتها ، بل إنه نشر أن امرأة احتفلت بطلاقها من زوجها وفراق بيتها وأولادها!
واحتفل ذات مرة بتقاعد نظامي لموظف فكان من فقرات الحفل ما تجاوز به المحتفلون المنع الشرعي ووقع من الرجال ماهو من شيم النساء ، رقص وغناء ، وفرح لا تعلم كيف توجه سببه؟ فكأنهم مسرورون لأنه فارقهم ولن يروه معهم أخرى.
– فمابين غرابة السبب وضعفه وما يتبع ذلك من إسراف وهدر واقتراف محاذير وتحمل ديون ، يتبين لكل ذي بصيرة ضرورة الارتقاء بثقافة الاحتفال ، كيف نحتفل ؟ وبماذا نحتفل ؟
– ولامانع أن نحتفل لكن نتجنب السرف والمخيلة ونكون وسطا بين الإقتار والإسراف ، ولسنا نختلق المناسبات لنحتفل أو لكل مناسبة نحتفل.
(لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم والله لايحب كل مختال فخور).
أحمد بن مهنا الصحفي
مقالات سابقة للكاتب