في الأسبوع الماضي أو الذي قبله ، نشرت صحيفتنا الموقرة خبرًا بأن مكافحة المخدرات ألقت القبض على شخص يروج المخدرات عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي ، كان الخبر قصيرًا وصاحب الخبر نشر مجموعة من الصور لمخدرات ووسائل إستخدامها، فعلقت على الخبر معاتبًا الصحيفة عتب محب، بأن الخبر كان كافيًا دون نشر أي صور، وإنني في هذا المقال الطويل، والذي كأنه مقدمة لورقة علمية مصغرة أوضح لماذا أشرت إلى عدم نشر الصور، فإنني أرجو من كل قارئة وقاريء أن يضع نفسه في مقام الأم أو الأب أو الأخ أو المربي/المربية أو المسؤول/المسؤولة ويسأل نفسه هذه الأسئلة قبل أن يقرأ المقال ويجيب عليها بصدق مع الذات:
ألست حريصًا على حماية أبناؤك أو طلابك أو من هم تحت رعايتك، ألست حريصًا على حمايتهم من كل سوء؟
ألا تعتقد بأن المخدرات والصور الإباحية وغيرها من المؤثرات السلبية ذات ضرر على أبناؤك أو طلابك أو من هم تحت رعايتك؟
ألأ تنظر إلى الأطفال والشباب بأنهم أمانة في عنقك كأب أو مربي أو مسؤول ويجب حمايتهم من الأخطار التي تحيط بهم وأنت قادر على الحد منها؟
بالتأكيد الإجابة ستكون نعم، ولهذا أطلب منك أن تقول لنفسك:
إنني حريصًا على قراءة هذا المقال إلى آخره بتأني وهدوء لما فيه من المنفعة إن شاء الله.
إنني سأعلق على هذا المقال ليس لمجرد التعليق فقط ، وإنما لأضيف عليه شيئًا فيه نفعاً.
إنني سأحتفظ بنسخة منه وسوف أنشرها لتعم المنفعة نظرًا لأهمية الموضوع.
وحيث أن تخصصي “علم نفس” ودرست عام واحد “تحليل السلوك التطبيقي ، وإدارة السلوك التنظيمي” فإنني تستهويني هذه المواضيع لأهيمتها ،وإنني الآن أرجو من الأخوة القراء والأخوات القارءات أن تتسع صدورهم لما سوف يقرأون وأن يتحملوا طول المقال وليعلم الجميع بأنني كتبت هذا المقال بعد أن قرأت أكثر من 40 بحثًا ومقالًا علمياً، بما يعادل أكثر من 300 صفحة باللغة الإنجليزية وترجمت أجزاء منها لنقلها إلى هذا المقال وقد أشرت إلى بعض المراجع في آخر المقال.
ولكي يكون لنا مدخل إلى المقال فإنه علينا أولاً أن نعرف كيف أن ما نراه من صور ومشاهد سلبية أو إيجابية له تأثير على سلوكنا، ولنعرف أيضًا هل هذا التأثير إن حصل، أهو مؤقت أم دائم. فأحياناً نرى صورًا لمناظر مؤلمة أو مناظر عنف أو حتى صور لمخدرات وغيرها من السلبيات، فما هو تأثير ذلك علينا كراشدين وعلى الأطفال والشباب، وكيف نحد من إنتشارها بوجود وسائل التواصل الاجتماعي وتبادل الكثير من الناس لبعضًا من هذه الصور دون النظر إلى ما تحدثه من أثر.
للإجابة على هذا السؤال لا بد أن نعرف أولاً كيف تعمل أدمغتنا، وسوف أقوم بذلك بشكل مبسط دون الدخول في تفصيلات علمية معقدة، إذ أنني سأتناول جزء بسيط وجانب واحد وهو كيف يفسر الدماغ الصور وكيف يتعامل معها. فإن الدماغ عبارة عن جزء من الجهاز العصبي وتعتبر الوحدة الأساسية للجهاز العصبي هي الخلية العصبية NEURON ، فكل خلية عصبية يخرح منها محور Axon قد يصل طولة إلى عدة أمتار، وهو الذي ينقل الإشارات العصبية من خلية إلى الخلية التي تليها، وهناك زوائد من كل خلية تمسى “الزوائد الشجرية” Dendrites، وهي التي تستقبل الإشارات من محور الخلية المجاورة في منطقة إلتقاء، وتسمى منطقة الإلتقاء هذه “بالمشبك”. وهذا المشبك يشبه المفتاح الكهربائي إذ أنه يتحكم في إنتقال الإشارات من خلية إلى أخرى وفي نهاية المحور يوجد مواد كيميائية معينة تسمى المواد العصبية الناقلة، أو الهرمونات العصبية، NEURO TRANSMITTERS أوNUEROHORMONES ، فانعكاس الصور ينتقل من قاع العين إلى مركز الرؤية في الدماغ من خلال الموصلات العصبية ثم يترجمها بناء على الخبرات المخزنة سابقًا أو يجعلها بصمة جديدة، وكل ذلك يتم في لمح البصر.
فإذا تدخلت مادة خارجية، مثل المخدرات في عمل الناقل العصبي، فإن ذلك يؤثر على طبيعة إنتقال الإشارات وبالتالي يغير من وظيفة تلك الخلايا، وقيامها بوظائفها المختلفة فيحصل الخلل.
ولهذا فإن أدمغتنا هي عبارة عن مجموعة من الموصلات العصبية الطرية معقدة التركيب ومليئة بالخلايا العصبية والتي تعمل وكأنها مرايا تنقل ما نشاهده وتعكس صورته في مخيلتنا وتجعلنا نعمل على محاكاته سواءً بوعي أو بدون وعي، والمحاكاة تحصل غالبًا بدون وعي، ويمكن تأكيد ذلك بتجربة بسيطة وذلك بأن تجلس مقابل رضيع وتمد له لسانك فإنك ستجد أنه بعد عدة مرات سوف يقوم بنفس الحركة أو يتفاعل معها لأن المرايا الدماغية نقلت له صورة اللسان وجعلته يحاكيها. وفي حالة الكبار فإن مرايا الخلايا العصبية تجعلنا أحيانًا نتفاعل مع ما نشاهدة، فمثلًا ما نراه في ملاعب كرة القدم وكيف أن الجمهور يتفاعل مع حركات اللاعبين وقد يصل عنف اللاعبين في الملعب فيما بينهم إلى الجمهور فتحدث أعمال الشغب من الجمهور، ومثلاً آخر لذلك هو ما تقوم به الكثافة الحسية في المكان حيث يتأثر بها كل من هم في المكان ونلاحظ ذلك أحيانًا عندما يذهب شخص إلى المسجد للصلاة ويجد أن هناك متسعًا من الوقت قبل إقامة الصلاة ، فيجلس وعندما يلتفت يمنة ويسرا يرى عدة أشخاص يمسكون بمصاحف ويقرأون فإنه بدون شعور سيمسك مصحفًا ويقرأ حيث أثرت الكثافة الحسية عليه فمارس نفس السلوك المسيطر على المكان. وحيث أن الخلايا العصبية من الممكن أن يؤدي تفاعلها إلى تضخيم الحدث والتعاطف معه بشكل أوسع فإن ردة الفعل أحياناً تكون أكبر بكثير من الحدث نفسه.
إن الخلايا العصبية ومرأتها العاكسة ليست لملاحظة الأفعال السلبية فقط ، وإنما هي وسيلة للتعلم والمعرفة وكسب اللغات والمهارات بعدة طرق، وهذه المرايا العصبية قد تؤدي بالأطفال إلى الإستجابة للأفعال أكثر من الإستجابة للأقوال إذ أنها في مجملها تشكل أساس الإرتباط العاطفي والثقافي وتثير الروابط الاجتماعية والتي تؤدي إلى تحسين العلاقات والبحث عن السلامة للبقاء على قيد الحياة حيث إن تم عزل هذه المرايا العصية فإن التعرض للإصابات يكون أكثر.
وفي الجزء الثاني من هذا المقال سوف نتحدث عن عمل الخلايا العصبية.
عبدالعزيز بن مبروك الصحفي
المراجع:
مقال للدكتورة ديبورا ل. ديفيس دكتوراه علم النفس ومؤلفة لـ 6 كتب في علم النفس ومعالجة نفسانية.
https://www.psychologytoday.com/blog/laugh-cry-live/201312/protect-your-brain-images-violence-and-cruelty
http://www.helpmegetoffdrugs.com/brain
“Reading Between the (Head)Lines.” Psychology Today, Sussex Publishers,www.psychologytoday.com/blog/reading-between-the-headlines.
https://www.mayoclinic.org/brain/sls-20077047
مقالات سابقة للكاتب