ماض عريق ، وتاريخ راسخ ، وحاضر مشرق يجسده المهرجان الوطني للتراث والثقافة “الجنادرية ” ، ففي نشاطاتها يمتزج عبق تاريخنا المجيد بنتاج حاضرنا الزاهر ، لذلك تعد علامة ثقافية مضيئة في جبين الوطن .
الجنادرية هي نحن .. ديننا .. تاريخنا .. ثقافتنا .. فنوننا .. ألعابنا .. شعرنا .. كتبنا .. ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا…. إنها ملامح رسمها الزمان، وتراث نعتز به، يصنعه الآباء، وينقله الأبناء ليحكي للأجيال قصص كفاح.
لذلك ينبغي أن نحافظ عليها وعلى مكتسباتها وأصالتها، إلى أن تصل كاملة إلى أبنائنا وأحفادنا، خاصة إذا علمنا بأن تاريخنا مليء بما يستحق أن نذكره ونوصله للأجيال القادمة، بل إن جميع ما يوجد تحت سقف الجنادرية حالياً يحاكي الماضي الذي تعايش فيه آباءنا وأجدادنا قديماً، ومع التطور الحديث الذي شهدته المملكة العربيه السعودية فقد تلاشت هذه الموروثات حتى أن الاجيال الحاضرة لا تعرف من الماضي سوى القصص والأحاديث عنه ، ومن خلال زيارتهم للجنادرية يستطيعون ملامسة الماضي والشعور به والتعايش معه ..
ومما يعجبني غالباً في مهرجان الجنادرية ويلفت انتباهي حقاً، تلك النقلة الحضارية للإنسان السعودي في سنوات قليلة، فعندما نقارن كيف كان يعيش الانسان السعودي في الماضي، وكيف تغلب على العقبات والتحديات المعيشية التي واجهته، وعندما نتابع كيف صار هذا الإنسان اليوم، بما ينعم به من سبل الراحة والرفاهية، نتأكد أن إنجازات الانسان السعودي كبيرة وعظيمة، وتخبرنا عن تجربة إنسانية ثرية بكل معطياتها، وهذا ما يركز عليه مهرجان «الجنادرية» كل عام، ويحاول أن يظهره للضيوف من الدول العربية والغربية، الذين أبهرتهم التجربة السعودية، والتراث الإنساني، والتاريخ الملئ بالمحطات المهمة ..
وهذا كله بلاشك تأكيد لهويتنا العربية الاسلامية وتأصيل لموروثنا الوطني بشتى جوانبه والابقاء عليه ماثلاً أمام الأجيال..
ولعل ما يؤكد الأهمية القصوى لهذه التظاهرة الثقافية الرعاية التي توليها قيادة هذه البلاد لعملية ربط التكوين الثقافي المعاصر للانسان السعودي بالميراث الإنساني الكبير الذي يشكل جزء كبيراً من حياة الإنسان السعودي .. ولا غرابة في ذلك .. فالمملكة العربية السعودية هي مهد الإسلام ومنبعه ، لها عاداتها .. وتقاليدها .. وتراثها .. ومنجزاتها .. ولها خصوصيتها .. فهي رمز للأصالة والقيم الثابتة .. وعنوان للصبر والكفاح والجهاد وتجسيد للمعاني الإنسانية النبيلة .
وهذه البلاد تمثل على الصعيدين السياسي والثقافي نقطة ارتكاز بين دول العالم كافة ، ولذلك أصبحت المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفكرية وسيله ذات فاعلية ملموسة في تحقيق التماسك الثقافي على الصعيد الداخلي ، ووسيلة للتفاعل الثقافي والفكري على الصعيد الخارجي ، ويأتي المهرجان الوطني للتراث والثقافة “الجنادرية ” ليبرز الوجه الثقافي ، والتراثي والحضاري لهذه البلاد ، وبهذه الفعاليات المختلفة والمتعددة استطاع مهرجان الجنادرية أن يجمع رموز الفكر والثقافة من شتى البلدان ، لذلك تتسابق الأمم فيما بينها لإحياء تراثها والوقوف عليه للمحافظة على أصالتها ..
ولعل من مستجدات الجنادرية لعشر سنوات مضت ، فتح المجال لمشاركة بعض دول العالم في عرض شيء من موروثها الثقافي .. وضيف المهرجان الوطني للتراث والثقافة 32؛ جمادى الأولى 1439هـ ، دولة الهند، ومشاركتها بالعديد من الفنون الشعبية والثقافية في جو من الكرم السعودي الأصيل ..
ولعلنا نقولها باختصار ” من لا ماضي له لا حاضر مشرق يمكن أن ينتظره “.
نويفعة صالح الصحفي
مقالات سابقة للكاتب