صحيفة غراس الالكترونية > تقارير > من وحي المهرجان .. هندسة الأجداد والجدات من وحي المهرجان .. هندسة الأجداد والجدات الكاتب: محمد عطالله الصحفي 20 مارس, 2018م 12 11548 رغم أنني متواجد بشكل شبه يومي بأرض مهرجان خليص الزراعي السياحي الترفيهي؛ ولكنني كلما قمت بجولة ميدانية على أقسام وأجنحة المهرجان المقام حاليًا ينتابني ذهول يعمق قناعاتي بعظمة الأجداد، وهنا رسالة إلى من قام بزيارة المهرجان ولم يسعى للتعلم من تراث الماضي ويشكك في قيمة هذا الحدث وتنتهي فترته دون أن يقف على ماكان عليه أجداده من مهارة، كيف اكتسبت بل وطورت، وعلى الجانب الآخر آخرون لم يكلفوا أنفسهم بزيارته بل وينتقدونه. وبصحبة زملاء وأصدقاء ومن بينهم الأستاذ محمد إبراهيم البشري المدير التنفيذي لمهرجان عسفان، الذي أشار علي في نهاية الزياره أن أكتب حول موضوع هندسة الجدات، فتصارعت وتسارعت وعصفت في ذهني الكثير والكثير من الهواجس والأفكار لتنوع ماتقدمه أجنحة مراكز المحافظة التسعة والدوائر الحكوميه من معروضات وما بها من إمتاع وإبداع مابين تراثي وزراعي وثقافي، يغلب عليها غناها بتراث الأجداد الزراعي (وماتلمس فيه من حس هندسي) كون المهرجان زراعي بحت بالدرجة الأولى. في ظل غياب العلم والتقنية بصورتهما الحالية عن عصر أجدادنا، وعلى الرغم من أن تعليمهم كان مقتصرًا على تعلم الحروف لقراءة القرآن بنظام الكتاتيب، كافح الأجداد في الماضي، فكان السعي بشكل كبير لتأمين لقمة العيش والقوت اليومي بالاعتماد الرئيسي على الزراعة التي شكلت جزءًا كبيرًا من حياتهم آنذاك، وظهرت الحاجة لبعض الأساسيات من أدوات، عِدد، حفر آبار، شق سواقي وما إلى ذلك. وبالتجربة بدأ التطوير وتجلت عبقرية الأجداد وبرز الحس الهندسي لديهم بالفطرة وهذا يتبين فيما يلي: ١. طرق حفر الآبار في الأرض لأعماق قد تصل إلى 40 مترًا، أو أكثر تحت مستوى الأرض وطيها بالصخور حماية لها من الانهيار وما صاحب ذلك من إبداع لغرض استخراج الماء، والصور على ذلك كثيره سواء بالنموذج المجسم بجناح مزرعة أجدادي أو بالصور المعروضة بأجنحة المراكز لآبار تراثية وهي خير شاهد على ذلك الإبداع (هندسة بلا مهندسين). ٢. المعروضات والمصنوعات الفخارية أو الخشبية أو الحجرية من التراث مثل (زير الماء، القلة، مطحنة الحبوب، الرحاة، المحمصة، النجر …. إلخ) كلها منتوجات صنعت بدقة عالية وحس هندسي مرهف من دون تعليم، أو الجلدية وتتمثل بدبغ جلود الأنعام للحفاظ عليها ثم تصنع منها الفروة التي تبطن ثيابهم أو فرشة لتزيين منازلهم أو قربة لحفظ ونقل الماء أو حقائب للسفر أو أواني لحفظ الماء والحليب أو قرب لصناعة السمن أو حفظه، أما مايخص صوف الأنعام فحدث ولاحرج حيث يصنع منها الخيام والأحزمة والحبال لربط الرواحل.. واقعهم وحاجتهم فرضت عليهم التفكير والإبداع، (صناعة بلا مصانع). ٣. الإعتماد الكبير على النخل والاستغلال الأمثل لكافة ماينتج منه، حيث التمر للغذاء (صيفًا يؤكل طازج ويحفظ في سلال للتغذية عليه في باقي فصول السنة (والسعف للمراوح والفرش وسفر الطعام وصنع السلال وأواني الحفظ، والليف لعمل الحبال، والصريف لبناء المنازل، وجذوع النخلة لأسقفها، أما النوى فتغذى به الأنعام (أي أنه باختصار شديد من يملك نخلة في ذلك الزمن فقد ملك الخير كله واكتفى)، ذلك كان الأجداد بيئتهم وظروفهم المعيشية كانت هي المدرسة والمعهد والكلية والجامعة (هندسة الأجداد). ٤. إبداع الجدات والذي ظهر جليًا بأحلى صوره في خياطة وتطريز الملبوسات وكذلك صناعة الكثير من احتياجاتهم مثل المحملة المعلقة التي كانت مهد للطفل وحماية من الدواب، وبراقع النساء وما يزينها من نقوش وتلول ونقود معدنية تراثية وأشكال هندسية مطرزة، فالبرقع وحده تحفة فنية حافظ للوجه وحشمة، كن صانعات وفنانات بدون الالتحاق بمدرسة أو معهد أو كلية أو جامعة، كن متعلمات بدون شهادات علمية، وفِي ظل عدم وجود أي أدوات حديثة ومع ذلك كان عملهن هندسي وفني وإبداعي (هندسة الجدات). ومضة: المطلع على معروضات المهرجان اليوم يقف بعز وإفتخار أمام شموخ وعظمة الأجداد ويستمد منهم الحافز الأكبر للابتكار حيث أننا اليوم نملك من المقومات مالا يملكون. كتبه: م. محمد عطاالله الصحفي