ما إن قرأت عن برنامج مسابقات “تحدي القلعة” والذي سوف ينطلق في نهاية الأسبوع الحالي بمدينة خليص بحي الدف حتى تبادر إلى ذهني قصة القلعة، وتملّك فكري حكاية إنجاز يوشك على الاكتمال؛ هذه القصة وتلك الحكاية لم أستطع دفعها ولا التخلص منها فقد تمكّنت من جميع ملكات عقلي وأنا عازمٌ على خوض غمارها وعازمٌ على كسب التحدي والظفر بجائزتها بإذن الله، وأدعوكم أيها القراء الكرام للتفكُّر معي فيها وفك برمجيتها وخيوطها وقراءة ما بين السطور وكسب التحدي فيها.
وتكمن هذه القصة في قلعة قديمة بناها أقوام ذوو بأس وصبر وفكر ولديهم قوة وعتاد وقدرة ومع تقادم الأعوام ومرور الأيام والأزمان ورحيل الأجيال جيلًا بعد جيل تهالكت القلعة وسقطت بعض أركانها وتهشّمت جدرانها، وكان على أهلها وساكنيها ترميمها خاصة أنهم كانوا في عهد نعمةٍ ورخاء ورغد عيش بيد أنهم كانوا في غفلة وعن ترميمها في كسلٍ وخمول، كلٌّ منهم يرمي بالمسؤولية على الآخر؛ منهم من وجَّه اللائمة نحو إدارة القلعة مباشرةً وحمَّلها كامل المسؤولية، ومنهم من جلس يتباكى لا حيلة له سوى الثرثرة في المنتديات، ومنهم من جلس ينتظر ظهور المنقذ والفارس المغوار والرجل الحكيم الذي يجمع الشتات ويوحِّد الجهود ويرسم خريطة إعادة بناء القلعة، وبالفعل بعد مرور أكثر من أربعة عقود من الزمن أتى قائد ملهم وصاحب فكر ورؤية، طَموح يمتلك خبرة كبيرة في التخطيط وإعادة البناء والترميم، وصل هذا القائد أخيرًا وإن كان وصوله متأخرًا لكن وكما قيل: ( أن تصل متأخرًا خيرٌ من ألا تصل أبدًا )، وبعد دراسةٍ وتمحيص وجولات استكشافية ودعوة المختصين والاسترشاد بالمجالس الاستشارية والاستماع لكل سكان القلعة والرجوع إلى الخرائط التي بُنيت عليها القلعة ظهر له الخلل وعرف السبب وانكشف المستور وأصبحت الصورة واضحة؛ القلعة تحتاج بنية إدارية تصنع البنية التحتية، هنا قرَّر الاستحداث والتطوير ومن ثم البناء والتشييد ولم يقبل فقط بالترميم بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما قرّر بناء برجٍ بالقلعة يصل إلى ثلاثين طابقًا بعد الألفين ليكون علامةً فارقة تتميز بها القلعة عن كل القلاع المجاورة.
وقبل أن يبدأ في العمل طرح سؤالًا استفزازيًا على أهل القلعة: لماذا تركتم القلعة تتهالك كل هذا الوقت ؟!
فصمت الجميع عن الإجابة غير أن لغة الأجساد تتكلم وكأنها تقول: القادة هم السبب وآخرون يهمسون وبالتهم يتقاذفون لم يجرؤ أحدٌ منهم أن يقول نحن السبب !! صاح بهم القائد هيا للعمل لا وقت للعتاب، لا تثريب عليكم!، وطلب منهم عدم الالتفات للخلف والنظر للأعلى، وأخذ يُحفِّز ويرفع سقف الأماني ويتحدث عن البرج العملاق ويقول: الموعد الطابق الثلاثون نلتقي هناك في القمة، لا أريد أن يتخلّف أحدٌ منكم، وأخذ القوم يتهافتون: أي قمة وأي برج؟! نحن أكبر همنا إعادة ما تساقط من أركان القلعة وإضافة غرفة أو جناح وإعادة تعبيد الطرق وإنارتها ولا بأس من رصفها، ولو تم إيصال المياة لها كان خيرًا وزيادة بركة، غير أن القائد استلم جادة الطريق وأخذ ينادي: ( للقمة .. للقمة )، كان صدى صوته يملأ المكان وتجاوز كل القلاع المجاورة حتى سمعه من حول الكعبة، تردّد في بداية الأمر بعض القوم وانطلق آخرون وبعد أيام اقتنع أغلب الناس وقرروا الزحف مع القائد، وبعد بضعة أشهر من مواصلة مسيرة العمل والبناء بدأت ملامح القلعة وقواعد البرج تخرج وتصبح بارزةً للعيان، بيد أنه تفاجأ ببعض ابناء أهالي القلعة يصابون بعلة المناطقية الجغرافية؛ انصدم بهم القائد وكاد يغشى عليه، أُصيب بوعكة صحية نُقل على إثرها لمشفى القلعة وأُعطي بعض المسكنات وقرأ في عين طبيبه عبارة: ( أيها الشاكي إليك المشتكى ) غير أن الطموح الذي يتملّكه والهمة التي يشعر بها تدفعه للقمة بقوة الصاروخ فعاد للقلعة حيث العمل وكرّر على سكانها السؤال نفسه: لماذا لم تُرمّموا القلعة وقت الرخاء؟! وأخذ يكرر عليهم السؤال وعيناه تقولان لهم: أنتم السبب فالقلاع يشيِّدها أصحابها، وقيل بالأثر: ( الديار تُبنى بأهلها )، ثم صرخ قائلًا: إنني عازمٌ على السير قُدُمًا ولن ألتفت خلفي وسيكون نظري للأعلى فمن رغب في المسير معي فهو مطلبي ومن أبى فلا حيلة لي به!، وواصل السير وطالب الجميع بالنظر إلى قمة البرج وإلى الدور الثلاثين، وحذّرهم من النظر إلى موطئ الأقدام، وأخذ يرفع البناء ويشيد البرج وتبعه أغلب أهل القلعة وعما قريب سيكتمل البناء، ومع ذلك لم ييأس ولم يقنط القائد من أن يلتحق به الجميع، فهو كثير الرجاء والنداء ( هلموا إلينا .. القمة … القمة )، غير أن سنن الله كائنة لا محالة، لا بد من تخلُّفِ أقوامٍ وسقوط آخرين وانكشاف أقنعة وخذلان وخيانات!، وفي المقابل ظهور قادة وبروز مواهب وخروج طاقات وولود فرسان جدد، وهذا هو ديدن الحياة لا تخلفٌ مطلق ولا نجاحٌ وقيادة مستدامة!، وكما قيل: ( دوام الحال من المحال ). ولقد أتيت من هناك وتركت القوم وهم بالدور الثامن عشر بعد الألفين وهم في بناء وتشييد وإعمار وأنا كلي عجب ماذا تصنع الإرادة والنية الصادقة إذا اجتمعت مع الفكر وقوة صنع واتخاذ القرار!، وأسفت كثيرًا على قادة كنت أعتقد أنهم سيكونون بالصفوف الأولى وإذا بهم يتخلّفون وعن الركب يتأخرون ويعجزون عن تفهُّمِ الحاضر ويفشلون في قراءة المستقبل وتألمت أكثر من أقوامٍ وقفوا ضد البناء وتشييد القلعة، وبكيت من أقوام مصابين بفوبيا المناطقية الجغرافية؛ هذا المرض المنتن الذي كان أحد أهم أسباب التخاذل عن بناء القلعة.
ورفعت قبعتي احترامًا للقائد الملهم الذي لا يعرف النظر إلا للأمام ولم يتعلم في حياته سوى صعود الجبال وعشق الوقوف على القمم، هو رجل واحد لكنه في الحقيقة بألف ألف رجل، لديه القدرة على صنع القرار واتخاذه، حامل السيف بيمينه وترى الحب في عينيه والمجد يناظره وهو يطوله وها هو الفجر قد انشق نوره وأصبح الكل يشاهد شروق الشمس وتلامس كفوفه أحلام كان يحسبها بالماضى سرابًا، وتحية إجلال وأكبر لجناحه الأيمن ورجال فريقه الأشاوس صناع المجد والإنجاز في كل محفلٍ وميدان.
أيها القراء: فهمتم الحكاية؟ .. أدعوكم لخوض غمار مسابقات قلعة التحدي .. وفالكم جائزتها!.
أحمد عناية الله الصحفي
رئيس تحرير صحيفة غران الالكترونية
مقالات سابقة للكاتب