ﻻنكاد نفيق من ضربة حتى وتأتي أختها وتكون أضعاف أضعاف التي قبلها. وكل ما قلنا : كفى قالوا : ليس بعد. فمازال بالمحافظة بقايا من طعام ، وزاد ، وفي أطرافها حفنة من تراب لن نتركها قبل التزود منها . والنفس بها نهم ، وجشع ولقطف الثمار طمع .
الضحية مولود جديد أتى وله اثنا عشر أخا منحهم والدهم أكثر من 300 مليون .
أخذ كل منهم نصيبه ،وتفرقوا على أنحاء بلادي فشرقوا ، وغربوا ، وبالهضاب الشمالية نزلوا ، وعلى المرتفعات الجنوبية تربعوا .ونزلوا بأعز الأماكن فكل أخ نزل إما على ربوة مطلة ، أو على جبل به وسقة مستقرة ، أو على شاطئ دافئ ، أو في واحة غناء بلابلها تغرد صباح مساء.
إلا الابن الثالث عشر تردى حظه ، وغربت شمسه ، وأسكن قهرا ، وصلب في واد ﻻ أنين ،ولا حنين ، وﻻ حتى به زئير . قد انقرض أهله ، وهجره إنسه وجنه. بعد أن جف ضرعه ، وغار ماؤه فتغير لونه ، وطعمه ، وبقي أمج ﻻيغني وﻻ يسمن من جوع.
هذا الابن المنحوس ولد أزمة ؛ فكرهه القوم . إذا به (398) قطعة شحمة ( منحة). ﻻتفي وﻻ تشبع بطونا جوعى ، ولا كبودا ظمأ .. ليس لديها سكن ، وﻻ مأوى .
فما الحل فيه سوى رمي هذا الابن في بطن هذا الوادي المندس حتى ﻻ تراه الأعين ، ولكي تعافه الأنفس فلا أحد يأتيه إلا من هو راغب في بيعه قبل أن يشتريه…
مسكين هذا الابن ، دفن حيا في منطقة شمالية غربية من محافظتنا الأبية وبجوار مجمع خيري، وعلى مقربة من ثنية (لفت) حتى ﻻ يلتفت إليه أحد، غير أنهم ميزوه بميزة ، وشرفوه بمجاورة مستشفى عام . يمكن أن يعتاده مشيا . فهو على بعد مد بصر من وضعه الذي اتضح فيما بعد أنه ليس لديه بصيرة وﻻ بصر.
وضع هناك الابن الثالث عشر ومجلسنا المحلي حيا يتنفس ، ومجلسنا البلدي فتيا يتمخطر. وقضي الأمر وهم شهود . ولو قضي الأمر وهم رقودا لما جزعنا ، ولما بكينا وﻻ على أبننا الوحيد فجعنا.
أفقنا أخيرا، صحنا سويا ، ملأنا الوادي صوتا ، صراخاً ، نحيباً، رفضاً لهذا الواقع …
عاد إلينا صدى الصوت .لما هذا الصخب؟
لقد قضي الأمر .. فات الفوت.. أبرم أمره ، وقع عقده ، استخرج صكه… مات الابن!!!
ومن بعيد قدم الحادي بصوت مكلوم ينشد فينا أنشودة (طلال المداح)
مقادير يا (إسكان خليص) مقادير.
أحمد عناية الله الصحفي
مقالات سابقة للكاتب