منذ ثلاثة أيام وأنا وقلمي في صراع! وأفكاري بين شدٍّ وجذب! وشريط ذكريات الأمس يسترجع الأحداث كأنها اللحظة!
وجرس النذير أُطلق للتو معلنًا الوداع، فالتفت الساق بالساق!، وجفّت الأقلام وطُويت الصحف وانهمرت العبرات!، وصاح المنادي: لقد رحل عن دنيانا فارس من فرسان الزمن الجميل، مربي جيل الطيبين، فارس نحت طريقه في الصخر في زمنٍ قاسٍ لا تتوفر فيه أدنى وسائل الحياة الضرورية من مواصلات أو كهرباء أو حتى طعام وشراب متنوع؛ ومع ذلك أدّى الفارس رسالته على أكمل وجه وبأعلى مقاييس الجودة وما ذلك إلا بسبب الإخلاص والتفاني وبدافع حب العمل والولاء وحب الآخرين.
نشأ في زمنٍ قاسٍ جدًا وظروف معيشية صعبة ولكنه لم يستسلم ولم ينهزم أمام الظروف القاهرة بل واجهها بقوة وشجاعة وإقدام وواصل طريقه وتحدّى الظروف حتى أكمل مسيرة التعليم وحصل على الشهادة التي تؤهله للانخراط في سلك التعليم وكان ذلك إنجازًا يعتير من المستحيلات في تلك الحقبة عطفاً على ظروف الحياة وقسوة العيش وتدني مستوى الثقافة وقلة ذات اليد.
ومنذ أن حط رحاله مديرًا لأول مدرسة في غران إلا وذاع صيته في كل مكان .. تواصل مع الأهالي وحثهم وشجعهم على إلحاق أبنائهم بالمدرسة في وقت كان الكثير منهم لا يرى لذلك أهمية ولا للتعليم قيمة، لم يتقوقع في مكتبه بل كان يتنقل بين الأحياء يزور الناس في منازلهم وفي مزارعهم ويختلط بهم ويعقد معهم الصداقات .. كان بمثابة الأب الحنون لكل طالب في المدرسة بل كان يتابعهم حينما ينتقلون للدراسة في المرحلة المتوسطة في رابغ أو خليص أو جدة ويوصي عليهم معارفه.
مربٍّ من الطراز الأول تميّز بقوة الشخصية والحكمة والنخوة والشهامة والمرؤة والسعي في مساعدة الآخرين والوقوف معهم.
لا يكاد يوجد خريج من ابتدائية موسى بن نصير إلا ويتذكر موقفًا إيجابيًا مع الأستاذ “عطا الله غنام المغربي” .. أحب الجميع فأحبوه، وبقيت ذكراه عطرة ندية متجددة كلما دار الحديث وتناول الناس ذكريات الماضي.
واليوم .. نحن أبناء ذلك الجيل نشعر بمرارة اليتم بعد أن رحل والدنا عن دنيانا الفانية وأراح ركابه عند الرحمن الرحيم الكريم المنان واسع المغفرة، لقد أمسى في ذمة خالقة مفوِّضًا أمره إلى بارئه.
فاللهم اجبر كسرنا في فقيدنا وأبدله أهلًا خيرًا منا ودارًا خيرًا من دارنا واجمعنا به في مستقر رحمتك مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا.. رحم الله أبا سعود فقد كان نعم الرجل ونعم المعلم ونعم المربي.
• ومضة:
لعمرك ما الرزية فقد مالٍ
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حرٍّ
يموت لموته خلقٌ كثير
أحمد عناية الله الصحفي
رئيس تحرير صحيفة غران الالكترونية
مقالات سابقة للكاتب