مصطفى هذه الشخصية الافتراضية للطالب المتفوق في دراسته والحريص على تحقيق أعلى معدلات النجاح الدراسي والتي نالت نصيباً من التعليقات الساخرة والنكات اللاذعة .تلك الشخصية رغم استمتاعنا بما يروى حولها من مواقف طريفة إلا إن كل منا يتمنى أن يرى تلك الصورة متمثلة في ابناءه واقعا ملموساً وأملا مرجوا .
بيد أن الواقع المشاهد الان أن الشريحة الأغلب من ابنائنا الطلاب يعيشون في حالة عداء سافر مع المدرسة ويحملون في نفوسهم حالة من عدم الرضى عنها .والاتجاه العام نحو الدراسة سلبي بدرجة لا تخفى على أحد ولعل مشهد دخول الطلاب للمدرسة ومشهد انصرافهم يعطي صورة واضحة للانطباع الذي يحملونه عن المدرسة ناهيك عن مدى حالة الرضى والفرح عند إذاعة خبر تعليق الدراسة ! وفي دراسة لقائمة مشكلات الطلاب طبقت على طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية ورد سؤال : هل تشعر أن المدرسة عبارة عن سجن ؟ أجاب ما يقارب من 45% بنعم !! اتسأل عن سبب هذه النظرة السوداوية وعن سبب هذا الخصام البغيض للمدرسة .
إن ما يتعرض له أبناؤنا في مدارسهم من عنف لفظي يتمثل في السخرية منهم أمام زملائهم أو إطلاق القاب جارحة عليهم له بالغ الأثر في تعزيز المشاعر السلبية نحو المدرسة والشعور بالإحباط الشديد وتدني تقدير الذات وانعدام الثقة بالنفس وغالبا لا يملك الطالب تجاه ذلك العنف إلا الصمت و المعلم دائما على حق ولو تجاوز الحد على قاعدة لكم اللحم ولنا العظم ولعمري أن كسر العظم أهون من كسر النفس فالأول يجبر سريعا أما الثاني فلا يجبر البته . يقول أحد الطلاب كنا في الفصل وأثناء الحصة مرت بجوار المدرسة شاحنة كبيرة لها صوت مرتفع جدا فالتفتُ لا إراديا ناحية النافذة فقال لي المدرس بسخرية لاذعة لازمتني فترة طويلة بين أقراني يا فلان مستقبلك سواق تريلا !!
إنها الكلمة غير المسؤولة تلك التي تنطلق من اللسان في لحظة غياب للضمير وعدم تقدير للمسؤولية فيبقى أثرها عميقاً مدمراً في نفس الطالب . ولعل الكثير منا يستحضر شيئا من كلمات ذلك القاموس السيئ الذي رافق مسيرته الدراسية غابت كلماته مع الأيام وبقي أثره حاضرا على الدوام .
إن المدرسة المتميزة هي تلك التي يشعر فيها الطالب بالاحترام والتقدير والأمان ، بيئة آمنة تقدر الطالب كونه انسان، تحفظ له حقوقه فيكرم ولا يهان ويحترم ولا يحتقر ويشعر بالتقدير لذاته لا لأي اعتبارات أخرى. إن توفير تلك المقومات للطالب أهم من المباني الواسعة والصالات الرياضية المغلقة والأجهزة الحديثة رغم أهميتها . أقول إن توفير تلك البيئة التربوية الرائعة هي التي تحفز الطالب على الابداع والتفوق وتحقيق أفضل الانجازات. وعندما تُبنى العلاقة بين المعلم والمتعلم على أساس الحب والاحترام والتقدير فسوف تكون النتائج مبهرة والمخرجات رائدة.
انظر إلى من يتربعون على منصة التقدم الحضاري كيف يربون أجيالهم فالطفل في اليابان يُربى من الصغر على قاعدة ــ نجاحك نجاح اليابان وفشلك هو فشل اليابان ! وعندما تسأل الطفل السنغافوري ماذا تريد أن تصبح في المستقبل يقول أريد أن أخدم سنغافورة !
عندما تتوفر تلك البيئة الجاذبة سيمنح أبناؤنا مدارسهم حباً يصنع المعجزات.
عبدالرحمن مصلح المزروعي – مرشد طلابي بالمرحلة الثانوية
مقــالات سابقة للكاتب :
مقالات سابقة للكاتب