شبح مخيف ظاهر واضح للعيان غير متخف ، وﻻ يحب التستر . يتربص بمجتمع بأكمله ﻻ يرحم صغيرا ، ولا يوقر كبيرا . جاثم على صدورهم ، متربع بجانب طريق سريع ، مسند ظهره إلى جبل يأويه ،له زفرات بالليل ، ونفحات بالنهار.
الكل يعرفه ، ولا ينكره فهو جمرة خبيثة لم يسلم منه أحد ﻻ صبيا ، وﻻ صبية ، وﻻ حتى الطيور في أعشاشها ، وﻻ الدواب في مراتعها ليس في قلبه رقة ، وﻻ رأفة ، وﻻ رحمة .
كيف ﻻ وهو مخلوق من نار تستعر أحشاؤه بجمرات خبيثة ، زاده الطيبين ، وشرابه ماء حميم .
لم يسلم منه عابر سبيل ، وﻻ سالك طريق . بل حتى من تطهر ، ولبس إزارة ، ورداءه ، وسار نحو (أم القرى ) قاصدا بلد الله الأمين ، وبيته العتيق لم ينج منه . بل تنفس بهوائه واستنشق من فيض سمومة.
لكن الكارثة العظمى لم تحرك أصحاب الكراسي ولم تقض مضاجعهم ، ولم تدفع بأقلامهم حيالها ؛ليخطوا موقفا حازما ، وصارما ضد هذا الأخطبوط المرعب . فلم يستدر عواطفهم حاضرة مكتظة بالسكان بجوار هذا الداء. نسبة الكثافة لديه في زيادة مرتفعة ومضطرده. وهو بالتأكيد يسعد بهذه النسبة ، ويتبسم لها ضاحكا مسرورا ، ويصبحهم بنسماته المسمومة. وإذا جن عليهم الليل تحين فرصته فيبث سمومه ، وكلما دنا الليل من وقت السحر زادت زفراته وقويت نفحاته حتى تعلو فوق الحاضرة سحابة سوداء داكن لونها تخيم فوق سمائهم وماتزال عاكفة على رؤوسهم مستغلة ركود الرياح ، أو هبوط الرطوبة صيفا حتى تطبق عليهم كتمة مع كل زفرة من زفراته. تصرع أولى القوة ، والشدة من البشر فمابالك بالصغار الرتع ، والشيوخ الركع ؟ فهم الى المشافي يهرعون ، وبالعناية المركزة يسكنون ، لعل أنفاسهم تعاود إلى سابق عهدها .وقد تعود ، غير أن السموم قد أصابت أجهزتها التنفسية في مقتل . عندها القوم تنادوا وانجاتاه .وا منقذاه . صاحوا بصوت مخنوق مبحوح انقذونا من هذا الأخطبوط . واستنجدوا بكل ذي مروءة ، وخاطبوا كل ذي علاقة ، واستدعوا كل وسيلة إعلامية ، وركبوا كل مركب ، وشرقوا ، وغربوا . لكن دائما يكون الغروب أقرب من الشروق .إذ يعود المركب ومعه البشير. ﻻ ضير عليكم بعد اليوم فقد وعد الأخطبوط المسؤول بوضع قطنتين معطرتين إحداهما لأنف الأخطبوط ، والأخرى لأذن المسؤول . إذ الزفرات المسومة معطرة ، وبطيب العود الكمبودي إلى سعادته مرسلة وهكذا تنتهي كل الحكاية .من قال أن مصنع السديس للطوب فيه مضرة ومفسدة؟؟ لعلكم مخطئون .
مقالات سابقة للكاتب