كم هو مؤلم فقد قريب أمضى حياته ظلاً وارفاً على من حوله، وكم هو محزن فراق من كان جبلاً أشماً عند النائبات، وسحابة خير في جميع الأوقات، ولكنها سنة الله ماضية في خلقه.
إنه الموت، مبعدٌ بين الأصحاب والأحباب، ومفرقٌ بين الأهل والأرحام، وحائلٌ بين الزملاء والأصدقاء، فهو الهادم للذات، القاطع للصلات، الميتم للذريات، المشتت للجماعات.
فماذا عسانا أن نقول وقد مضت سنة الله في الأوليين، وهذا طريق كلنا عليه سائرون، فاللهم لا اعتراض على قدرك، ماض علينا أمرك، عدل فينا قضاؤك، اللهم آجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيرًا منها.
كم من أنين يا عماه أطلقته حناجر المفجوعين في رحيلك، وكم من عبرات إنسكبت مدراراً على الوجنات لتطفيء لوعة فقدك، وكم من عيون ذرفت الدمع حرقةً على فراقك، وكأني بأصحابها يقولون:
وليس الذي يجري من العين ماؤها
ولكنها نفسٌ تسيل فتقطرُ
كيف لا نتوجد عليك يا عماه وقد كنت ملاذاً لمن أراد شفاعة، ومنيراً لمن أراد إستشارة، ومعيناً لمن أراد مساعدة، وقاضياً لمن أراد حاجة.
مازالت ذاكرة من حولك يا عماه تحتفظ بالكثير من قصص إصلاحك لذات البين، ومازالت مواقفك النبيلة لخدمة غران وأهله يذكرها أقرانك وأصدقاؤك وكل من عرفك عن قرب، بل أنهم يعزون أنفسهم بها، ويدعون الله بأن تكون في موازين حسناتك، وأن يعلي الله بها درجاتك.
لقد رحلت يا عماه وتركت وراءك ذكراً طيباً تفوح به نسمات المشيعيين، وتلهج به ألسنة المعزيين، رحلت بعد أن تركت أثراً لن يمحى في ذاكرة الديرة وعموم العشيرة، رحلت بعد أن شاطرت الجميع أفراحهم وأتراحهم، رحلت وأنت الحاضر في الوجدان والعصي على النسيان.
شهران مضت في صراع مرير مع المرض، قضاها في صبر ورضى وقبول بقضاء الله وقدره، راجياً في الدرجات العليا عند ربه، يقول الرسول ﷺ ” إن العبد إذا سبقت له من الله منـزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبَّره على ذلك، حتى يُبَلِّغَه المنـزلة التي سبقت له من الله تعالى”.
وإنا لنجد في يوم وفاته وسببها تعزية لنا في فقده، يقول الرسول ﷺ: “ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر”. ويقول أيضاً ﷺ في حديث آخر ثابت في الصحيحين “المبطون شهيد”.
اللهم أنزله منزل الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ، اللهم ألهمنا الصبر السلوان، واخلف علينا جميعاً بخير من عندك.
سامح عبدالرحيم الصحفي
مقالات سابقة للكاتب