يعد المجتمع اللبنة الأساس في تكوين الوطن؛ ذلك أن الوطن يقوم على مجتمع متناسق متناغم وإن تعددت أعرافه وأعراقه وتقاليده بل حتى وإن تعددت معتقداته الدينية.
وتدير العلاقة البينية في هكذا مجتمع شرائع سماوية وقوانين اتفق عليها المجتمع وارتضاها حاكمًا يرد إليه ما أشكل من أمور.
والمجتمع السعودي بنى وطنًا حديثًا قام على الائتلاف بعد الخلاف وعلى اللحمة بعد الفرقة متشربًا نزعة وطنية أصيلة كانت له بعد تمسكه بدينه حصنًا منيعًا ضد موجات التغريب الممنهجة ورياح التغيير التي تريد اقتلاع المجتمع من جذوره الراسخة.
غير أنه وفي السنين الأخيرة جرت وما زالت تجري وبصورة تصاعدية محاولات مستميتة لاختطاف المجتمع السعودي من هويته وبتره من روابطه الأصيلة الضاربة في التاريخ رغبة من جهات عديدة جعل هذا المجتمع مشتت الاتجاه لا يركن لقدوة ولا يتمسك بمنارة سامقة بل وأرادوا أن يعيش وضعًا مذبذبًا ليسهل اقتياده إلى حيث يكون عجينة في أيديهم .
إن من أشكال اختطاف المجتمع ذلك التشكيك المستمر في قيادته وعلمائه وقادته وقدواته والتحقير من شأنهم والتقليل من جهودهم بل ويقابل ذلك إعلاء لشأن كل من يناصبهم العداء وإظهاره بمظهر المتقدم المتطور الذي يجب أن يتبع ويقتدى به .
ومن أشكال اختطاف المجتمع السعودي ما يجري من طمس هوية التراث السعودي الأصيل في الألعاب الشعبية والفنون التي كانت علامة فارقة في الوطن واستبدال ذلك بألعاب وفنون لا تمت للوطن ولا لساكنيه بأي صلة ولا أدل على ذلك من تسجيل لعبة ( المزمار ) الإفريقية في منظمة الثقافة العالمية ( يونيسكو ) على أنها لعبة سعودية تراثية !!!.
ومن أغرب أشكال الاختطاف ما يقوم به مشاهير التواصل الاجتماعي ( السناب مثلًا ) من أعمال لا تمثل ابن الوطن الصالح الذي يحافظ على الذوق العام وعلى نسيج المجتمع الواحد وتستغرب عزيزي القارئ إذا علمت أن الغالبية العظمى من هؤلاء ليسوا سعوديين بل يتكلمون بلساننا فقط ويعيشون على خيرات هذا البلد !!!!.
ومن صور اختطاف المجتمع وتحقيره ازدراء كل سعودي يعمل في الأعمال غير الحكومية خاصة وإن كان محاطًا بمجموعة وافدة تنسب له كل تقصير وتجعل من هفوته كبيرة من الكبائر ناشرين عنه أنه لا يصلح لعمل ولا ينجز ما يوكل إليه وما يلبث أن يتلقف تلك الصورة أعوانهم الذين يدّعون المواطنة من الذين يرون أن الأجنبي هو الذكي المجتهد النشط !!.
ولعل من أبشع صور اختطاف المجتمع ما تبثه القنوات الفضائية التي تعمل وفق خط واضح لهز صورة الرجل السعودي والمرأة السعودية وتصويرهما أجلافًا لا يملكون ذوقًا ولا يعرفون حبًا أو (رومانسية) وذلك الأجنبي هو الرجل الوسيم المثقف الأنيق وتلك السيدة ذات الجنسية غير السعودية هي ملكة الجمال والذوق والموضة !!!
إن على عقلاء المجتمع ومؤسساته المدنية الوطنية الأصيلة أن يتنبّه لمثل هذه الأمور وأن يواجهها بما تقتضية مصلحة الوطن التي تفرض التمسك بتطوير مجتمع متماسك فيما بينه متمسك بثوابته الوطنية والثقافية ولا يعني التغيير الانسلاخ من وهج التاريخ السعودي والثقافة السعودية التي كانت في يوم من الأيام مهوى أفئدة الرحالة من شتى أصقاع الأرض ، ولا أنسى ذلك اللقاء القديم الذي قرأته في مجلة المجلة مع السير جون فيلبي وهو يتحدث عن الأصالة السعودية والتراث السعودي ؛ بل وما زلت أحفظ أبياتًا من الشعر النبطي كان يرويها فيلبي بكل اقتدار .
المجتمع أمانة في رقبة كل مواطن فهل حملنا الأمانة أم كنا غير ذلك ؟!!!
مفلح الصاطي الحربي
مقالات سابقة للكاتب