منذ ستة وثلاثين عاما أعلنوا أنه خلال ستة أشهر سينتهي مشروع تصريف مياه الأمطار في جدة وأنه كلف ستمائة مليون ريال !!
ماذا حدث منذ ذلك التاريخ ؟
تعرضت جدة لكارثتين مروعتين أفقدت بعض أهلها أحبابهم ودمرت سياراتهم وأفسدت بيوتهم وخربت شوارعهم..وكلما لاحت غيمة أو سحابة ارتبكت جدة وعجت شوارعها بالسيارات الهاربة من المدارس والأعمال إلى المنازل حيث الأمان..لتتوالى بعدها اتصالات الأقارب من كل المدن يسألون هل وصل الأولاد إلى البيت ؟ هل وصلتم جميعا ؟ كيف المطر ؟ عسى ماغرقتم ؟ عسى ماجاكم شي ؟ ثم تأتي النصائح الجازمة لا تخرجوا..لا يروح الأولاد المدرسة بكرة ؟ لا تفعلوا كذا ولا كذا ولا ولا ولا ..!! كل تلك المعاناة والأحداث الدراماتيكية تحدث بسبب حرامية المال العام !! كل ذلك بسبب فقدان الأمانة والمسئولية والانسانية !! كل ذلك بسبب عدم وجود الحساب والعقاب !!
جدة عروس البحر الأحمر وبوابة الحرمين والميناء التجاري الأهم ومدينة المال والأعمال تتوقف عن الحياة مع رشات المطر !! جدة التي صُرفت على مشاريع تصريف أمطارها ومجاريها مليارات الريالات تتحول إلى مدينة بائسة وذليلة ومهانة وعاجزة عن الحركة عند كل زخة مطر !! لماذا ؟ كل أولئك المسئولين الذين مرّوا عليها..ماذا كانوا يفعلون ؟ أين كانوا ؟ أين المليارات ؟ أين مشاريع تصريف المطر والمجاري ؟ لماذا لا يُحاسبون ؟ لماذا لا يقال لهم أنتم خونة ؟ لماذا لا يدفعون ديات الضحايا من المليارات المسروقة ؟ لماذا لا يتحملون تكاليف السيارات المعطوبة ؟ لماذا لا تسترجع تلك المليارات لتصلح شوارع جدة وأنفاقها وكباريها ؟ لماذا لا يعلنون عن أسمائهم لكي نجعلهم عبرة ونتخذهم آية ويكونوا عظة لكل مسئول خائن ؟
الشهادة لله أن المشاريع التي تمت بعد كارثة جدة الأولى وحتى اليوم ضخمة وكبيرة ورائعة ولكنها لا تزال حول جدة وأطرافها أما داخلها فلا تزال الشوارع الرئيسية والفرعية الجديدة والقديمة تؤكد أن جدة لا تزال تندب حظها العاثر وتجتر ألمها الكبير وتعاني الأمرين بسبب بعض مسئولي خدماتها ومهندسي تخطيطها ومقاولي مشاريعها !!
لك الله ياجدة..أيتها الصابرة المحتسبة..
إبراهيم الحارثي
إمام وخطيب جامع السديس سابقاً والمشرف العام على مدارس الأندلس الأهلية بجدة
مقالات سابقة للكاتب