تحتفظ الحياة بمعناها تحت أي ظرف من الظروف، وتبقى الحياة ذات مغزى حتى لحظتها الأخيرة، إلّا أن معرفة لماذا تُفعل الأشياء أمرٌ في غاية الأهمية، بل تعد بداية الحرية الحقيقية والمعنى لحياتنا، وهذه المعرفة للسبب هي التي تمثل المعنى؛ فمعرفة السبب تعني أننا نعي أنفسنا، وما الذي يستدعينا في العمل.
فعملنا ما هو إلا انعكاس لوجود أو عدم وجود معنى لحياتنا.
إن المعنى هو الطاقة التي تحفزنا من أجل تحقيق أقصى طاقتنا كبشر، والرغبة في المعنى ليست خارجية، لكنها جوهرية لوجودنا ذاته.
إنّ إدراك المعاني الصغيرة والتي كثيراً ما تقدم دلائل مهمة ومنابع للبصيرة، إذا سمحنا لأنفسنا بالتعلم منها؛ يمكنها أن تُحفز النمو الشخصي والنضج بطرق خلّاقة ذات معنى.
وبغض النظر عما قد يكوّنه تصورنا عن مكانة أي مهنة أو حرفة أو عمل، فإن الشخص الذي يقوم بالعمل هو من يعطيه معنى.
فالساعي البسيط الذي يقوم بعمله؛ ليخدم هدفاً أسمى، نجد أنّ تصوره الذهني عن وظيفته وما تتطلبه من كدحٍ يذهب إلى ما هو أبعد في ممارسة التفكير الإيجابي.
إنه يعرف أنه يُعتمد عليه حتى من قبل البعض الذين يشعرون بازدراء تجاه عمله.
وهذا يعني أنه يجلب معنىً لعمله، وبالتالي يصبح عمله ذا معنى.
إنّ أكثر ما يهدد الإنسان المعاصر هو زعمه بأن حياته لا معنى لها أو كما يسمى بـ ( الفراغ الوجودي ) في داخله. وهذا الفراغ يُفتح بابه، ومن ثم يصبح واضحاً جلياً في حالة اللامعنى.
ولتجاوز هذا الفراغ، علينا أن نعي جيداً أن جلب معنىً أعمق لحياتنا يأتي عبر استشعار القيم الذهنية التي يهدف إليها ديننا الإسلامي الحنيف عبر تجويد العمل الذي نجده في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
وهذا السعي الإنساني من أجل المعنى في كل لحظةٍ يضع مساراً من الاستبصار يمر عبر جوانب حياتنا، وهذا المسار هو بالطبع عملية وليس منتجاً، حيث أنه يتجاوز فكرة إنهاء مهمة للحصول على راتب أو نحوه إلى الرغبة العميقة في الحصول على المعنى وتفعيل قيمنا في العمل.
فالأم بين أولادها، والمعلم بين طلابه، والطبيب بين مرضاه؛ إن كل هؤلاء وغيرهم لديهم معانٍ عميقة في حياتهم.
فعندما تبحث عن المعنى العميق لتلك الوظيفة أو ذلك العمل وتعثر عليه ستشعر أن ثمة جمال اكتسى يومك، وتزينتْ به سنوات عمرك.
فهلّا بحثت عن معناك.
وليس بالضرورة أن تعثر عليه فيه وقت محدد، المهم أن تجد معناك حتى لو بعد حين.
سليمان بن مسلم البلادي
الحلقات السابقة من روشتة وعي