هل وجدت معناك؟

تحتفظ الحياة بمعناها تحت أي ظرف من الظروف، وتبقى الحياة ذات مغزى حتى لحظتها الأخيرة، إلّا أن معرفة لماذا تُفعل الأشياء أمرٌ في غاية الأهمية، بل تعد بداية الحرية الحقيقية والمعنى لحياتنا، وهذه المعرفة للسبب هي التي تمثل المعنى؛ فمعرفة السبب تعني أننا نعي أنفسنا، وما الذي يستدعينا في العمل.
فعملنا ما هو إلا انعكاس لوجود أو عدم وجود معنى لحياتنا.
إن المعنى هو الطاقة التي تحفزنا من أجل تحقيق أقصى طاقتنا كبشر، والرغبة في المعنى ليست خارجية، لكنها جوهرية لوجودنا ذاته.
إنّ إدراك المعاني الصغيرة والتي كثيراً ما تقدم دلائل مهمة ومنابع للبصيرة، إذا سمحنا لأنفسنا بالتعلم منها؛ يمكنها أن تُحفز النمو الشخصي والنضج بطرق خلّاقة ذات معنى.
وبغض النظر عما قد يكوّنه تصورنا عن مكانة أي مهنة أو حرفة أو عمل، فإن الشخص الذي يقوم بالعمل هو من يعطيه معنى.
فالساعي البسيط الذي يقوم بعمله؛ ليخدم هدفاً أسمى، نجد أنّ تصوره الذهني عن وظيفته وما تتطلبه من كدحٍ يذهب إلى ما هو أبعد في ممارسة التفكير الإيجابي.
إنه يعرف أنه يُعتمد عليه حتى من قبل البعض الذين يشعرون بازدراء تجاه عمله.
وهذا يعني أنه يجلب معنىً لعمله، وبالتالي يصبح عمله ذا معنى.
إنّ أكثر ما يهدد الإنسان المعاصر هو زعمه بأن حياته لا معنى لها أو كما يسمى بـ ( الفراغ الوجودي ) في داخله. وهذا الفراغ يُفتح بابه، ومن ثم يصبح واضحاً جلياً في حالة اللامعنى.
ولتجاوز هذا الفراغ، علينا أن نعي جيداً أن جلب معنىً أعمق لحياتنا يأتي عبر استشعار القيم الذهنية التي يهدف إليها ديننا الإسلامي الحنيف عبر تجويد العمل الذي نجده في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
وهذا السعي الإنساني من أجل المعنى في كل لحظةٍ يضع مساراً من الاستبصار يمر عبر جوانب حياتنا، وهذا المسار هو بالطبع عملية وليس منتجاً، حيث أنه يتجاوز فكرة إنهاء مهمة للحصول على راتب أو نحوه إلى الرغبة العميقة في الحصول على المعنى وتفعيل قيمنا في العمل.
فالأم بين أولادها، والمعلم بين طلابه، والطبيب بين مرضاه؛ إن كل هؤلاء وغيرهم لديهم معانٍ عميقة في حياتهم.
فعندما تبحث عن المعنى العميق لتلك الوظيفة أو ذلك العمل وتعثر عليه ستشعر أن ثمة جمال اكتسى يومك، وتزينتْ به سنوات عمرك.
فهلّا بحثت عن معناك.
وليس بالضرورة أن تعثر عليه فيه وقت محدد، المهم أن تجد معناك حتى لو بعد حين.

سليمان بن مسلم البلادي

الحلقات السابقة من روشتة وعي

15 تعليق على “هل وجدت معناك؟

عبدالعزيز بن مبروك الصحفي

ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم، معاني عميقة يحويها مقال رائع من عارف خبير.
إن أهم شيء على الإنسان هو أن يجد ذاته، فإذا وجدها وعرف ماذا تريد وكيف تفسر الأشياء، سهُلت عليه كل أمور حياته.
بارك الله فيك ونفعك، ونفع بك.

السامر

مقال جميل وعميق

د.هناء عبدالملك بنتن

توقظ كلماتك الطيبة عمق المعنى لكل شيء في حياتنا
وتستبصر الذات البشرية هداها من الذات الإلهية بالقول والفعل في رحاب أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى .

سليمان مسلم البلادي

* أخي عبدالعزيز الصحفي ..
شكراً لقراءتك الواعية.

* السامر ..
عاطر التحايا ووافر الود.

* دكتورة هناء بنتن ..
الإنسان كائنٌ روحي يعيش تجربة بشرية،ومتى ما كان في حالة اتصال بخالقه؛كانت ذاته قبساً من نور له ولمن حوله.
شكراً لتعقيبكِ الثري.

متعب الصعيدي

رائع ومتجدد في كل حلقة ياأستاذ سليمان
فعلاً إدراك الإنسان لأهمية ما يؤديه من عمل يجلب له قيمة ويشعره بالفخر والثقة بالنفس
نقابل في حياتنا كثير ممن تسنموا مهام وأعمال جليلة لكنهم غير مقتنعين بها لذا تجدهم فارغين ليس لديهم رسالة ولا هدف وكل طموحهم هو الحصول على الراتب. وهذا لا يضرهم وحدهم بل بتعداهم إلى المحتاجين لخدماتهم.

أبوعابد

لو فهمنا الغرض الذي خلقنا الله من أجله لفهمنا معنى حياتنا
قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
العبادة في معناها الشمولي وليس العبادات كالصلاة والصوم والحج

سليمان مسلم البلادي

* أخي متعب الصعيدي ..
بالفعل كما ذكرتَ عندما نفتقد المعنى؛نشعر وكأن الذي نقوم به لا جدوى منه ولافائدة له.
شكراً لتعقيبك الرائع.

* أخي أبوعابد ..
لقد أصبتَ كبد الحقيقة.
فالله عز وجل لم يخلقنا عبثاً،وإنما لعبادته.
وهذا المعنى يمكن القياس عليه باقي شؤون حياتنا؛إذ كل عمل نعمله ينبغي أن يكون ذا قيمة ومعنى.
اشكر جمال طرحك وروعة وعيك.

محمد الصحفي

مبدع يا أستاذنا الفاضل كلام في غاية الأهمية
من لا يعرف هدفه في الحياة فهو ضال كالسائمة تحوم في الخلاء لا تلوي على شيء
طبت وطاب يومك

محمد الرايقي

تقول الدراسات أن أكثر من 70% يعملون في وظائف لايرغبون فيها لذلك لن يجد الشخص ذاته فيها وهذا ينعكس على الشخص الذي تقدم له هذه الخدمة فمن لم يجد ذاته في وظيفته فلن يزرعها في غيره فكما يقال فاقد الشيء لايعطيه .
وزادك الله علماً وفضلاً مستشارنا الكريم

عبدالله البشري

(عندما تبحث عن المعنى العميق لتلك الوظيفة أو ذلك العمل وتعثر عليه ستشعر أن ثمة جمال اكتسى يومك، وتزينتْ به سنوات عمرك.)
صدقت
وقلمك
رائع
مقال مفيد جداً
تقدير واحترامي لك

سليمان مسلم البلادي

النبلاء …
ا.محمد الصحفي.
ا.محمد الرايقي.
ا.عبدالله البشري.
وافر الشكر والامتنان لتعقيبكم الجميل.

محمد بن صديق

الأستاذ سليمان البلادي ايقونة الوعي والاحساس بالأشياء الجميلة ، اسمحلي أن انتقد مقالك وأن يتسع صدرك ياعسل :-
مقالك يحتاج إلى مفاتيح لأن القارئ البسيط يصعب عليه أن يحلق معك في سماء المعرفة
تنتقل من فكرة إلى فكرة وكأن القارئ معك على الخط انظر إلى الردود في فهم معنى الوجود الرباني والكوني
وفي الختام أنت مبدع وهذه وجه نظر قد تحتمل الخطأ والخطأ . دمت سالماً

سليمان مسلم البلادي

ا.محمد بن صديق ..
وافر الشكر والتقدير .
نقدك البنّاء محل تقدير واهتمام من أخيك.
وهو بلاشك يساهم في تجويد الطرح ووصوله للمتلقي بيسر وسهولة.
بيدَ أنّ هناك ثمة وجهة نظر مفادها ، أنّه ليس بالضرورة أن يكون كل مايطرح يكون سهل التلقي،إذ لابد من إعمال التفكير والذهاب بعيداً عن مجرد القراءة إلى سبر أغوار المعنى.

د. فهد الجامعي

مبدع دائماً في طرحك وفِي حوارتك استاذ سليمان ..عبارات ذات دلالة ومعنى عميق ….دمت مبدعاً .

سليمان مسلم البلادي

دكتور فهد الجامعي ..
جمعتَ بين العلم والنبل.
التقيتُ بكَ مرةً،فتزودتُ من بهاء روحكَ،ونهلتُ من معين علمكَ.
وافر الشكر والثناء لحضوركَ البهي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *