القوة السحرية للانسجام مع البشرية

نعيش في عالمٍ يحتاج فيه كل فرد للآخر.ومع أنّ بعضنا يكون أكثر اجتماعية واختلاطاً؛ لكنه ليس هناك من يعيش بمعزلٍ عن الآخرين.
وكنتيجة لذلك، فإنه يجب علينا تَعلّم كيف نعيش ونعمل وننسجم مع الآخرين، وهذا الأمر لا يبدو سهلاً؛ بسبب تنوع الناس في التصورات الفكرية والخبرات الحياتية.
إنّ أول المباديء التي تعزز قدرة الفرد على الانسجام مع الآخرين “الاحترام” ، الذي يقوم جوهره على فهمِ أنه إذا عاملتَ الآخر كما يكون؛ سيبقى كما يكون،وعندما تُعامله كما في إمكانه أن يكون وما ينبغي له أن يكون ؛ سيصبح كما يكن أن يكون، وكما ينبغي له.
فمعظم الناس عادةً تستجيب للمعاملة باحترام، وتتمثل هذه الاستجابة في رفع مستوى أفكارهم وأفعالهم إلى نفس مستوى الاحترام الذي يتلقونه.
إنّه من السهل احترام أناس يشبهوننا، بل أنه ضرب من تعظيم أنفسنا ، إلّا أن تقدير أناس يختلفون عنا هو ما يكشف النقاب عن أعظم أشكال الاحترام.
وثاني هذه المباديء “التعاطف” ، الذي يقتضي فهم الآخر بكل التنوع والاختلاف في أفكاره وخلفيته الثقافية وتصوره عن الحياة.
ومن أجل اكتساب التعاطف مع الآخرين؛ علينا أن نستمع إليهم بقلوبنا قبل آذننا.
والمتأمل لحال البعض؛ يجد أنهم لا يستمعون بنية الفهم،ولكنهم في الواقع يستمعون بنية الإجابة عما يُقال، فهم مشغولون بتحليل الأمر من خلال منظورهم الخاص بهم بدلاً من محاولة فهم وجهة نظر مَنْ يتحدث. إنّه من المؤكد أنّ لدى كل شخص اهتمامات خاصة به غير موجودة لديك، وتُوجهنا حكمةُ التعاطف الاستعانة بآذاننا في معرفة تلك الاهتمامات.
إنه حينما تضع نفسك في موضع الآخر؛ فإنك تتعاطف معه ؛ مما يجعلك لا ترغب أن يعود إلى ما كان عليه. ويُعد هذا مؤشراً جلياً لمدى تحقق التعاطف مع الآخرين.
ولعل هذا التعاطف ينقلنا إلى ثالث هذه المباديء،وأحد أعظم التحديات بعصرنا،وهو إيجاد الاتحاد في ظل التنوع والاختلاف، وهذا الاتحاد لا يتضمن بالضرورة التماثل، فمن الممكن أن نختلف كأفراد،ولكن من خلال اتحاد الأهداف؛ يمكننا أن ننسجم مع بعضنا البعض؛بهدف التعاون من أجل إنجاز مهام كبرى، مهامٌ يكون فيها الكل أعظم من مجموع الأجزاء.
بل أنّ الانسجام يصل بنا إلى عدم القلق بشأن تنحية اهتماماتنا الشخصية جانباً؛لصالح المصلحة العامة، وهذا لا يعني مجرد المزج والاختلاط في المجموعة،بل تعظيم نقاط قوتنا وتوجيهها نحو قضايا مجتمعية رابحة.
وهذا التوجيه نجده واضحاً في دعوة الدين الإسلامي في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم:” تقوى الله وحُسن الخُلق”.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني

الحلقات السابقة من روشتة وعي

17 تعليق على “القوة السحرية للانسجام مع البشرية

متعب الصعيدي

أحسنت مستشارنا الكريم
ليتنا جميعاً نتعامل بأسلوب الإحترام لكنا في غير مكاننا الآن ولسدنا الأمم وأعتلينا سنام الحضارة ولكن إلى الله المشتكى مجتمعنا مايء بالأمراض السلوكية ليس أقلها إبداء الإحترام للآخرين.
شكراً لك على هذه المقالات العميقة المعاني ذات الفائدة العظيمة والتي أصبحنا ننظرها صباح كل سبت
موفق ومسدد دائماً ولله يرعاك

سناء سويري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احسن استاذ سليمان مقال رائع في تكامل العلاقات التي نعيشها . التوازن مع الذات والاخرين مهم جدا في تحقيق السلام والتعايش الداخلي والخارجي .
سلمت اناملك …

عواض الصحفي

مقال جميل، نسأل الله أن يرزقنا التقوى وحسن الخلق فهما ركنا التعايش مع الآخرين، فمن أتصف بالتقوى في جانب الحقوق والمعاملات وأتصف بالخلق في جانب المعاملة فقد حقق الكمال مع الناس، وليس شرطا أن تقابل المعاملة بالمثل، فهناك يكمن الأجر والثواب كما جاء به الحديث..

جزيت خيرا أستاذ سليمان

شوقية الانصاري

مبدع في طرحك الاستشاري التوجيهي أستاذ سليمان … وحان الوقت لنعيد منظومة إسلامية بلغة ( نحن) و نجعل من الاخاء والاحترام والود والعطاء سلاح قوة بروح إيمانية لنحارب سلوك خطير يهاجم قيمنا ألا وهي ( الأنا ) التي سيطرت على مجتمعاتنا .. وسنعود بحول الله لتطبيق عبادة راقية حثنا ووجهنا لها رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ ( لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .

آمال الدسوقي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استاذي الفاضل سلمت يمينك
اعجبتني جدا عبارة الناس تسمع لتجيب
وليس لتفهم
واضيف ان معظم الناس تتحاور لتحقق المعادلة الصفرية اَي انا كل شيء ١٠٠٪؜
والطرف الاخر ٠٪؜
انا فقط وقبل كل الناس
لذلك ساد المجتمع حالة من اللاذوق وعدم الأخلاق والصفات الحميدة
اللهم ردنا إليك ردا جميلا
أكرر شكري وإعجابي بالمقال

أ. نويفعة الصحفي

اولا .. شكرا لك أستاذ سليمان وبارك الله فيك وزادك علم ونفعنا بك وبأمثالك ..
بلاشك الانسجام مع الناس مطلب ، فالانسان مدني بطبعه ، وليس على حديثك استاذي إضافة .. إلا أنني أجدها فرصة لأوجه هذه النصيحة لكل إنسان ..وأذكر فيها نفسي ..
” لا تقدم هواك على فطرتك، ولا تغلب عاطفتك على عقلك، ولا ترجح قولك على تجربتك ، ارشد نفسك، بترجيح تصرفاتك،احكم بعين الحكيم المنصف،لا تهتم بسفاسف الأمور، علق نفسك بكل ما هو جدير بالاهتمام، تجنب الظلم ، واستعن بالله في إصلاح نفسك ، فإن الله سبحانه يحب أن يراك مقبلا إليه ..،استمع إلى غيرك، تفهم لظروفهم لا لتحكم عليهم . احترم ارائهم ،قدر لهم مواقفهم ، كن لهم معينا وقدوة بافعالك ..كن معهم سخيا كريما في كل العطاءات الخيرة ولا تكن منفرا فظا غليظ القلب ..”
نكرر لكم الشكر أستاذ سليمان ولصحيفتنا الغراء صحيفة غران جزيل التقدير ..

سليمان مسلم البلادي

ا.متعب الصعيدي.
وافر الشكر والعرفان لكريم تعقيبك.
كلماتك داعمةٌ لأخيك،وثراءٌ للمقال.

سليمان مسلم البلادي

ا.سناء سويري.
عاطر التحايا ووافر الامتنان لطيب مرورك.
بالفعل التوازن سر النجاح الحياة.
ولعل المفكر الإسلامي الدكتور عبدالكريم بكار له كتاب في هذا الشأن،تحدث فيه عن التوازن بالتفصيل.

سليمان مسلم البلادي

أخي عواض الصحفي
كم أنا سعيد بالجمال الذي تنثره في ثنايا طرقات مقالات أخيك.

سليمان مسلم البلادي

ا.شوقية الأنصاري
جميلة الإشارة إلى :
منظومة الأخلاق.
ثنائية أنا – نحن.
ولعل الأنا المسيطرة لديها من الحيل ما يفوق الوصف.
وللاستزادة من هذه الحيل الغير المرئية والتي تتحكم في معظم سلوكنا،يمكن الرجوع لحلقة إذاعية بعنوان حيل الأنا،متوفرة في اليوتيوب.
وافر الشكر والعرفان لهذا الحضور البهي.

سليمان مسلم البلادي

ا.آمال الدسوقي.
شكراً جزيلاً لمرورك العابق وعياً.
في غياب الشيء؛يحضر اللاشيء.
وفي حال سيطرة الأنا؛سنجد أنَّ سلوكياتنا لقمةً سائغة لها.
والحل في وعينا بمانقوم به ومن ثم اتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تضمن رجوعنا للسلوكيات الطيبة.

سليمان مسلم البلادي

ا.نويفعة الصحفي.
اشكر تعقيبك الثري الذي تميز بالتوجيه الطيب،والأسلوب الحكيم.

سليمان مسلم البلادي

ثلاثُ نقاطٍ وددتُ مشاركتكم بها:
الأولى:
علينا أنْ نحسن التعامل مع الناس كما أمرنا ديننا الإسلامي الحنيف.

الثانية:
ليس علينا أن ننتظر إلا أن نجد في حقائب الحنين،قصاصاتٌ من قصائد شوقٍ لمن عاشوا معنا،ثم رحلوا عنّا بعد أن زهدنا في التعامل الطيب معهم.

الثالثة:
تبتسمُ روح الأبجدية؛لعبق من مرّوا وقرأوا المعنى في ثغر كلمات المقال.

محمد الصحفي

ولعل هذا التعاطف ينقلنا إلى ثالث هذه المباديء،وأحد أعظم التحديات بعصرنا،وهو إيجاد الاتحاد في ظل التنوع والاختلاف، وهذا الاتحاد لا يتضمن بالضرورة التماثل، فمن الممكن أن نختلف كأفراد،ولكن من خلال اتحاد الأهداف؛ يمكننا أن ننسجم مع بعضنا البعض؛بهدف التعاون من أجل إنجاز مهام كبرى، مهامٌ يكون فيها الكل أعظم من مجموع الأجزاء.
أعجبتني هذه العبارة جداً
فعلاً هذا تحدي كبير وللأسف أننا كأمة وكمجتمع لم ننجح فيه والدليل للمنازعات والشقاق والمواجهات المسيطرة علي الساحة.

سليمان مسلم البلادي

ا.محمد الصحفي
اشكر لك قراءتك الواعية،وسبر أغوار المقالة.

أبوعابد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)
حسن الخلق مزية عظيمة ومنزلتها عاليه وقليل من يستطيع تمثلها في حياته لأنها ليست سهلة وقليل من يستطيع تحمل تبعاتها ومنها ما تعرض له الكاتب الكريم (الاحترام).
مقال من أجمل ما قرأت من المقالات أهنيء الكاتب على أسلوبه المبدع وفكره النير.

سليمان مسلم البلادي

ا.أباعابد …
وافر الشكر وجزيل العرفان لجميل تعقيبك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *