ثقافة الاعتذار

الإنسان في حياته يسعى جاهداً للعيش وسط جو من العلاقات الإنسانية التي يغمرها الود والتفاهم أينما كان رغم كل الأخطاء التي تحدث.
فالإنسان خُلق بطبيعته المجبولة على الخطأ لحكمة ربانية عظيمة منها:
– محدودية علمه.
– حاجته لأخيه الإنسان في النصيحة.
– إضافة خبرة جديدة.
ومع ذلك يصعب الاعتراف بالخطأ على بعض الناس، ويسهل على بعضهم الآخر، ويرجع ذلك إلى طريقة التفكير التي تربى عليها، وعلى البيئة التي نشأ فيها.
إن الكثير ينظر إلى الخطأ على أنه كُرَة مزعجة نتقاذفها بيننا متهمين بعضنا البعض به كأنه رجس من عمل الشيطان متعالين عليه، معتقدين بطبيعتنا الملائكية على غير الحقيقة، متجاهلين طبيعتنا المعجونة بالخطأ.
واللبيب الفطن ذو الأفق الفكري الواسع يدرك طبيعته الآدمية الخطّاءة، ويدرك أن الله تعالى ما جعل الخطأ جزءاً من مركبات بشريته الآدمية إلا لخير عميم من رب رحيم.
إن حال الإنسان عندما يقع في الخطأ تكون عادة ردة فعله أحد ثلاثة احتمالات:
١- “أنا مخطئ” وهو الاحتمال المثالي، وللمخطئ أن يعترف بخطئه لإصلاحه سريعاً، ثم تكملة المسار إلى الهدف المنشود.
٢- “أنا لست مخطئاً” وهو الدفاع عن النفس الأمّارة بالسوء، حينئذ يكون قد حرم نفسه من المبادرة للإصلاح.
٣-” أنت المخطئ” وهو قذف الخطأ على الأخرين.
إن من يمتلك شجاعة الاعتذار عن الخطأ، نجد أنّ لديه من الوعي ما هو كفيل بالحفاظ على العلاقات، وردم الفجوة قبل أن تتسع، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة؛ لاستدامة المعروف والود بين الناس.
أما مَنْ يفتقد لتلك الشجاعة؛ فنجده يجنح إلى الانتصار لنفسه، ومطاوعة كبريائها يقوده في ذلك جيش مدجج من الصور الذهنية الواهمة عن عزة النفس وحمايتها من الذل والهوان، وهو في ذلك كله كأنه خلع عن نفسه بشريتها وبرَّأها من الخطأ،فمن البديهي أنَّ من قال: ” أنا لست بخطّاء ” كمن قال: “أنا لست بشراً”.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

8 تعليق على “ثقافة الاعتذار

أ.نويفعة الصحفي

الكثير من الناس يعتقدون أن الاعتذار سمة من سمات الشخصية الضعيفة ، وأن الأشخاص ضعيفي الشخصية هم فقط من يقدمون على الاعتذار، وهذا مفهوم خاطئ، فالإنسان القوي هو من باستطاعته أن يبادر ليتأسف عما أخطأ فيه من أفعال وأقوال ، وضعاف الشخصية والنفوس هم الذين تأخذهم العزة بالإثم ويتهربون من الاعتذار عن الأخطاء التي يرتكبونها بمبررات واهية لا قيمة لها..ولهذا نرى الآف المواقف تمر في حياتنا وتتازم والسبب عدم الاعتذار ولهذا يجب أن يكون الاعتذار احد أهم الأولويات التي يجب أن نوجدها في مجتمعاتنا ونعمل على دعمها ، ونتحلى بها فالإعتذار خُلُق وصفة عظيمة قد تحل الكثير من المشاكل، وتعيد الإنسان إلى إنسانيته ..
شكرا لك ا. سليمان روشته مهمه جدا في حياتنا ..

رائدة القحطاني

كلامك صحيح بعض الأشخاص لا يعتذر لأن كبرأيه لاتسمح له-”
إن من يمتلك شجاعة الاعتذار عن الخطأ، نجد أنّ لديه من الوعي ما هو كفيل بالحفاظ على العلاقات، وردم الفجوة قبل أن تتسع، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة؛ لاستدامة المعروف والود بين الناس.
شكرا على هذه الروشته يا أستاذنا

متعب الصعيدي

رائع كعادتك سعادة المستشار
اختيارك للموضوعات رائع وتقديمها بأسلوب سلسل جذاب
هذه من أهم روشتات الوعي الي يجب أن تصرف لكل فرد في المجتمع
للأسف نحن لم نتربى منذ الصغر على كلمة آسف
في الغرب إذا أخطأ الطفل يطلب منه أهله أنا يقول I am sorry
لكن الوضع عندنا مختلف كما لا يخفاك
دمت مبدعاً

عبدالرحيم الصبحي- ابو أوس

لا شك موضوع يحمل قيمة جميلة وفاضلة فالاعتذار إحدى قيم المجتمع الصالح بل نحن في أشدِ الحاجة لغرسه وتعميقه كثقافة في مجتمعنا وفي بيوتنا إذا أردنا النهوض والتقدم والتطور والرفعة لديننا ولوطننا ولمجتمعنا فقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنسان (ابن آدم ) بالخطَاء وليس المخطئ ، وهي صيغة مبالغة تدل على تكرار الخطأ ، فقال (كل بن آدم خطاء وأن خير الخطائين التوابون )
اختيار جميل منك أستاذنا سليمان ولا غرابة فما يصدر عن الجميل الا جميلا نفع الله بك وبعلمك

عبدالله البشري

مستشار سليمان
مقالاتك متميزة وفيها فوائد جمة وتستحق القراءة بقوة
أهنيك على هذا الأسلوب والفكر الراقي
استمر

محمد الصحفي

نحن نسير على مبدأ عنز ولو طارت
الواحد منا مستعد يجادل إلى الصبح وهو غلطان المهم ما (ينهزم) حسب تصوره
فكيف تريد منه أن يعترف بخطأه ويعتذر ؟!! صعبة جداً
وضعنا صعب جداً :(

سليمان مسلم البلادي

ا.نويفعة الصحفي.
ا.رائدة القحطاني.
ا.متعب الصعيدي.
ا.عبدالرحيم الصبحي.
ا. عبدالله البشري.
لكم جميعاً عاطر التحايا ووافر الشكر والتقدير لتعقيبكم الجميل ومروركم الرائع.

سليمان مسلم البلادي

ا.محمد الصحفي.
الأمر قد يبدو صعباً ، لكنه ليس بالمستحيل.
تقبل وافر الود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *