داء استحسان الآخرين!

ربما تستنفد عدداً لا حصراً له من لحظات حاضرك في السعي لتحظى باستحسان الآخرين، أو في الأسى على استهجان الآخرين لك في موقف ما.

جميعنا يستمتع بالإطراء والمجاملات وعبارات المدح.
فحينما يثني على أفكارنا الآخرون؛نشعر بمدى حلاوة ثنائهم هذا.

مَنْ مِنا يمكنه أن يستغني عن ذلك؟

حسناً، ليس هناك داعٍ لأن نتخلى عنه، فالاستحسان ليس شيئاً بغيضاً، أو مؤذياً في ذاته، بل هو بحق أمر ممتع لذيذ.

لكن البحث عنه يصبح بمثابة موطن من مواطن الضغف لديك حينما يتحول ضرورة مُلحة بدلاً من أن يكون مجرد رغبة لا تقوم عليها سعادتك.

فإذا كنت ترغب في استحسان الآخرين لك، فهذا يعني أنّك تشعر بقدر لحظي من السعادة إنْ قام الآخرون بذلك.

ولكن إذا كنت في حاجةٍ مُلحة إلى ذلك؛ فإنك سوف تشعر بالانهيار إذا لم تحظ به.

وهذا يحدث حين تستيقظ فيك القوى المدمرة للذات التي تقودها الأنا.

إنه حينما يصبح البحث عن استحسان الآخرين بمثابة ضرورة لا غنى عنها، فكأني بك تقطع من نفسك جزءاً لتعطيه شخصاً آخر لا يمكن أن تستغني عن تأييده لك.

وفي مثل هذه الحالة تكون قد اخترت أن تضع قيمتك الذاتية على أكمامك؛ لتكون تحت تصرف شخصاً آخر يرفع منها حيناً ويحط منها حيناً آخر، فضلاً على ذلك أنه ستتشكل لديك صورة واهية تعبر عن ضعف ذاتك ووهنها؛ وهذا يؤدي إلى نوعٍ من نبذ أو رفض الذات.
فالحاجة إلى الاستحسان تقوم على أساس افتراض واحد مفاده: ” لا تثق بنفسك، ابحثْ الأمر مع شخص آخر أولاً “.

وللخروج من هذا المأزق النفسي العصيب، عليك مراعاة الرباعية التالية:

أولاً: أن تعي جيداً أن طلب الاستحسان من الآخرين هو رغبة، وليس ضرورة مُلحة.

ثانياً: لتتأمل طبيعة هذا العالم، إذْ ليس بوسعك إرضاء كل من فيه، حتى لو افترضنا أنك تمكنت من إرضاء ٥٠٪؜ من الناس؛ فإنك تعلم يقيناً أنه سيعترض ٥٠٪؜ آخرون.

ثالثاً: أنك لن تسلم أبداً من استهجان الآخرين لك مهما أعددت من عُدة لذلك، وستجد معارضاً لأي رأي من آرائك،فالاستهجان نتيجة طبيعية للحياة على هذا الكوكب الذي تتباين عليه رؤى الناس وإداركهم.

يقول آبراهم لنكولن: ” لو أصبح لزاماً عليَّ أن أقوم بقراءة والرد على كل الانتقادات التي توجه إليَّ فربما توقفت عن العمل”.

رابعاً: إنْ كنت تريد أن تحظى باستحسان الآخرين،فإنه من الطريف أن تعلم أنَّ أفضل طريقةٍ لتحقيق ذلك هو ألَّا تريد ذلك،وأنْ تتجنب السعي وراءه وألَّا تطلبه من أحد، فمن خلال اتصالك الدائم بذاتك واستخدام المعاني الإيجابية لذاتك كمرجعية تعود إليها دوماً؛فإن قدراً كبيراً من الاستحسان سوف يتحقق لك.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

6 تعليق على “داء استحسان الآخرين!

حنان المالكي

كلام واقعي * رضا الناس غاية لاتدرك •
👍

متعب الصعيدي

ما زلت تنثر الإداع يا مستشارنا الرائع
روشتات وعي فاخرة
لا عدمناك

أحمد بن مهنا

إن قادت عقولنا مشاعرنا فقد استفدنا من منها كلها ، وإن كان العكس أو بعض منه فهو النقص بقدره …
– حب استحسان الآخرين يفسد بذل النفس ويرخصها في مواقف تكسب أعلى المراتب دنيا وآخرة ، فالرجل يقاتل حمية وسمعة ثم يقتل لا يستفيد شيئا في دنياه ولا آخرته ، بل يوقع نفسه في الردى وسوء العاقبة ، وإن عاش فليس إلا الاستحسان
والسمعة ، ثمن باهض لسلعة تافهة .. هو تحكيم حاكم أرعن في النفوس ، ومرشد متابعته ضلالة وخسارة .
دمت موفقا سعادة المستشار ، إنه لممتع هذا الفكر الذي تكتب …

سليمان مسلم البلادي

ا.حنان المالكي.
ممتن لمروركِ الكريم.

سليمان مسلم البلادي

ا.متعب الصعيدي.
عاطر التحايا ووافر الود.

سليمان مسلم البلادي

ا.أحمد بن مهنا الصحفي.
ممتن لهذا الثراء الكبير والطرح الجميل استاذنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *