النسخة المطوّرة من عاداتك!

للعادات تأثيرٌ هائل أكثر بكثير مما قد يدركه معظم الناس، أو يعترفون به، فهي عبارة عن نقطة تقاطع المعرفة، والمهارة، والرغبة، فاجتماع هذه القوى الثلاثة معاً تُشكّل العادة.
ولذلك يتطلب التغلب على عادةٍ متأصلة فينا جهداً عظيماً، وفي بعض الأحيان يتطلب الأمر إحداث تغييرات كبرى في حياتنا.
إنَّ عاداتنا وُجِدتْ لأسبابٍ جيدة، فهي هناك في أقاصي ذواتنا؛ لكي تؤدي لنا عملاً، حتى لو كان ذلك العمل مدمراً للذات، ففي أعماقنا حتى العادة السيئة تحاول أن تجعلنا نعمل بصورة أفضل.
وهذا مما يزيد تجاوز أي عادة سيئة أكثر تعقيداً، ويجعل المهمة شاقة وعسيرة.
فمثلاً، الذين يُدخنون، يحاولون حتى من خلال إدمانهم أن يقوموا بشيء ذي نفع عبر ممارسة التنفس بعمق والاسترخاء أثناء عملية التدخين، فمن وجهة نظرهم أنّهم يحتاجون إلى طريقة التنفس تلك؛لتخفض من توترهم، فالتدخين كممارسة لديهم ما هو إلّا طريقة؛ حتى يصبحوا بحالةٍ مزاجية أفضل.
إنَّ العادات السيئة مثل ذلك “ممارسة التدخين” مبنية على فائدة ملموسة؛ لذلك فمن الصعوبة أنْ نتخلص منها ببساطة.
وحتى نتمكن من التحرر من قيد أي عادةٍ سلبية في حياتنا، علينا أنْ نكون أكثر وعياً بكينونة تلك العادة، وفهمها قبل تحويلها من نقطة الضرر إلى نقطة النفع.
إنَّ ما شَكَّلَ العادةَ في الأساس يجب أنْ يُبنى فوقه لا أن يُهدم؛ لذلك من الحكمة أنْ نذهب إلى حيث تنبض الفائدة التي أدتْ إلى تكوين وتشكيل تلك العادة، ثم نتوسع من ذلك؛ لكي نجعل العادة تتغير من شيء سيء إلى شيء حسن.
إنَّ الاستبدال أمر فعَّال في التعامل مع العادات السيئة، فكثير من الذين أقلعوا عن التدخين مثلاً، قد مارسوا عادات بديلة تمنحهم ما كانوا يتوهمون أنَّ التدخين يمنحهم إياه.
فلقد مارس بعضهم الجري، أو شكلاً من أشكال التمرينات الرياضية، وأدّى التنفس والاسترخاء اللذين حصلا عليه من التدريبات إلى أنْ يصبح الدخان شيئاً مزعجاً لأجسامهم.
وذات الأمر يُمكن قياسه لدى الأشخاص متبعي الحمية الغذائية، فليس الابتعاد عن الأطعمة الدهنية هو الحل، وإنما الحل يكمن في استبدالها باتّباع نظامٍ غذائي من أطعمة شهية صحية.
في عقلك وتصورك الذهني لا تظن أنَّ عاداتك السيئة سيئة؛ وذلك لأنها تُلبي حاجات ملموسة، لذلك فإنَّ الطريق إلى تقوية نفسك مع عاداتك، هو معرفة الحاجات وإدراكها، وهذا الإدراك يتم بواسطة استبدال العادة الحالية بأخرى أكثر صحية وفاعلية،وليس بالمحاربة أو المقاومة، فمقاوتك لها دون إيجاد بديل يجعل الأمرَ ضرباً من بذل الجهد في أمرٍ لاجدوى منه.
جَرِّبْ أنْ تستبدل عادةً واحدة، وستتحفز سريعاً لاستبدال أخرى، وستجد نفسك في نهاية الأمر أنَّك قُمتَ بتحديث عاداتك السلبية بدلاً من محاربتها ومقاومتها، وحصلتَ على نسخةٍ مطورةٍ من عاداتٍ أكثر فعالية وفائدة لك.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

6 تعليق على “النسخة المطوّرة من عاداتك!

ابراهيم مهنا

كلام جميل فشكرا لك استاذ سليمان
مما فهمت أن العادة جاءت نتيجة حاجة أو رغبة ولكي نتلافى السيء منها نحتاج لبديل يحل محلها كمعالجة .
لكن بعض الحاجات وهمية أو نتجت من شعور جاء من فكر خاطىء وبعضها وقتي فهل تحتاج لبديل لتعالج ، أم تحتاج لقرار وقف فقط ؟
وهل يعتبر قرار وقف العادة السيئة أحد أنواع العلاج ؟

علي الصحفي

مقال مميز من رجل مميز
بارك الله فيك ونفع بك وجعلك مباركا حيث ما كنت

متعب الصعيدي

مقالاتك كنوز من المعرفة
صيغت بأسلوب سلس وعبارات أنيقة جداً
لا عدمناك
نتعلم منك في كل حلقة شيء جديد
أهنئك على هذا الفكر الراقي والثقافة المتينة
زادك الله علماً ونفع بك

سليمان مسلم البلادي

ا.إبراهيم مهنا
شكراً لجمال تعقيبك.
هناك فرق بين الرغبة والحاجة.
الرغبة ليست ضرورية ومُلِحة،مثل الكماليات،ويمكن الاستغناء عنها.
بينما الحاجة عكس ذلك،فهي ضرورية،كالأكل وخلافه،فلابد للإنسان من تلبيتها.
فوقف تلبية الحاجة غير جيد.
أما الرغبة،فعلى المرء توطين نفسه وتهذيبها على الاعتدال ما استطاع لذلك سبيلا.

سليمان مسلم البلادي

ا.علي الصحفي
اللهم آمين.
وجزاك الله خيرا.

سليمان مسلم البلادي

ا.متعب الصعيدي
عاطر الود ووافر الشكر لك أخي الكريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *