عجينة الحياة!

الحياة ليست بالبهجة الدائمة، ولا الكدر المستمر، وهذه واحدة من حقائق الحياة التي ينبغي على الإنسان أن يؤمن بها.
وما أنْ ندرك ذلك، ونتمكن من فهم تلك الحقيقة، وتقبلها كما هي، والنظر إليها نظرة تفاؤل وأمل؛ يجعل من حقيقة أنَّ بها من الكدر والضيق أمراً ليس بالغ الأهمية.
ومع ذلك لا يرى معظم الناس تلك الثنائية التي كُوّنت منها عجينة الحياة؛ فهم يتذمرون في أكثر أحوالهم من فداحة مشكلاتهم والمصاعب المحيطة بهم، وكأن الحياة سهلة على وجه العموم، وكأن يجدر بها أن تكون سهلة.
فهم يعبرون عن إيمانهم بأنَّ المصاعب المحيطة بهم تمثل نوعاً فريداً من البلاء لا يجدر به أن يصيبهم، وأنهم قد تعرضوا له على وجه الخصوص بطريقةٍ ما من دون الآخرين.
إن الحياة بتجسيدها سلسلةً من المشكلات؛تطرح سؤالين جوهريين:
أولهما، فهل نودُّ التذمُّر منها أم حلّها؟
وثانيهما، هل نودُّ تعليم أطفالنا كيفية حلّها؟
إن الانضباط بأدواته الأربع “تأخير الإرضاء، قبول المسؤولية، الإخلاص للحقيقة، الموازنة” يمثل التقنية التي نحتاج إليها عند مواجهة مشكلات الحياة.
ويمكننا بوساطة الانضباط أو بعضه أن نحل بعض المشكلات، ولكن يمكننا بالانضباط الكلي – إن شاء الله تعالى- أن نحلَّ المشكلات جميعها.
صحيح أنَّ مواجهة المشكلات وحلّها عملية مؤلمة؛ فهي تثير فينا – استناداً إلى طبيعتها – مشاعر مزعجة؛تجعلنا نشعر بالكدر والضيق والإحباط في أوقاتٍ كثيرة.
وعلى الرغم من ضيقنا من مشكلات الحياة، إلّا أنّها تُعدُّ العامل الأهم الذي يفصل بين النجاح والفشل؛حيث تستحضر المشكلات شجاعتنا وحكمتنا، بل في الحقيقة هي التي تصنع شجاعتنا ووحكمتنا، وإليها تحديداً يُعْزَى الفضل -بعد توفيق الله تعالى- في نموّنا عقلياً وروحياً، فما أنْ نرغب في تحفيز نمو الروح الإنسانية حتى نعمد إلى تحدي القدرة الإنسانية وحفْزها إلى حل المشكلات.
ولكن الملاحِظ يجد أنّ الكثير من الناس يعمد إلى محاولة تجنّب المشكلات بدرجاتٍ متفاوتة، فيماطل البعض على أمل زوالها، وذلك بتجاهلها، أو تناسيها، والتظاهر بعدم وجودها.
إننا حين نعمد إلى تجنّب المعاناة المشروعة التي تنتج من التعامل مع المشكلات؛ فإننا نتجنّب أيضاً النمو الذي تتطلبه المشكلات منا.
ولذا، فمن الأهمية العمل على غرس السبل الكفيلة بامتلاك الصحة النفسية والروحية في أنفسنا وأطفالنا، وذلك عبر تعليم أنفسنا وأطفالنا ضرورة المعاناة وقيمتها، والحاجة إلى مواجهة المشكلات بصورةٍ مباشرة، واختبار الألم المتضمن في ذلك.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

5 تعليق على “عجينة الحياة!

غير معروف

مقال رائع

د.ريما البراهيمي

رائع بروعة كلماتك وعمقها

عزه الرحيلي

مقال رائع وكلام واقعي وأضيف لكلام الأستاذ ربما بدعوة واحدة تقابلها كلمة (كن )تُحل المشكلة او المعاناة الدعاء أقصر طريق لحل مشكلاتنا بالإضافة لما ذكره الأستاذ سليمان من أساليب
سلم قلمك استاذ سليمان وأثابك الله على نشر الوعي الذي يغيب بعض الاحيان عن الاذهان

سليمان مسلم البلادي

الدكتورة ريما البراهيمي
عاطر التحايا ووافر الشكر لمروركِ الأنيق.

سليمان مسلم البلادي

ا.عزة الرحيلي
الدعاء مع العمل.
أحسنتِ استاذة.
وشكراً لتعقيبكِ الثري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *