يُعد الصبر من أهم قوانين النجاح الروحية في الحياة، فالصبر يعني الاستسلام للمشيئة الإلهية، نقوم بما يمكننا القيام به، ثم نتوكل على الله، فتحديد زمن حل الأمور أو الحصول على النتائج ليس بأيدينا، فالأمور مرهونة بأوقاتها.
إنّ الانتظار مع الصبر، يعني الانتظار مع الإيمان المطلق بأن الخير سيأتي، إنه انتظار فيه سكينة و طمأنينه وأمل، أما استعجال الأمور والحرص المبالغ فيه -وهي صفات إنسانية تعكس ضعف الإنسان-، فإنما يولدان القلق والخوف، ومع ذلك لا تحل المشكلات والأمور المعقدة إلا في الوقت الذي يشاءه الله تعالى.
والقلق والخوف يولدان اليأس والقنوط؛ وهنا نكون كمن يحجب عن نفسه الرعاية الإلهية ويسلم أمره لهواه، ونحن كبشر لا علم لنا بالمستقبل، ولا نعرف ماذا يخبئ لنا أو ينتظرنا.
إنّ طريقنا للوصول للهدف، أو بلوغ النتائج قد يكون مليئاً بالتحديات والعقبات التي منها ما هو مرتبط بالشخص نفسه، كالخوف والإحباط واليأس، ومنها ما هو متعلق بالظروف الخارجية، سواء أكانت تلك الظروف مادية، أو مرتبطة بالأشخاص المحبطين، أو الذين تتعارض مصالحهم الخاصة مع ما نرغب في الوصول إليه.
ولذلك فإن من أهم معاني الصبر متابعة المسير في طريق بلوغ نتائجنا؛ لأننا نؤمن بإمكانياتنا، ونؤمن بخزائن الله الواسعة، وبأنه معنا.
إنّ من رُزِقَ التدبر؛ يدرك أن ما في الكون يعمل بمبدأ الصبر، يؤدي وظيفتة بانسيابية دون معاناة؛ لأنه مبرمج لما خلق له، فيصل لهدفه ويعطي نتائجه في المكان والتوقيت المناسب له وبتناغم وتكامل مع وظائف المخلوقات الأخرى.
وحتى نمارس فضيلة الصبر في حياتنا، يمكننا أن نتأمل أمرين:
أولهما: أنَّ الصبر ذُكِر في القرآن الكريم في أكثر من تسعين موضعًا؛ لعظمة وفضل هذه الصفة، التي تبدو صعبة بالنسبة للإنسان العجول والضعيف بطبيعته، لكن نتائجه عظيمة وفوائدة كبيرة؛ بسبب ارتباطه بالتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب.
ثانيهما: إنَّ الصبر من الصفات العظيمة التي تحلى بها الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله ليبينوا الهدى للناس.
فإذا كان هذا حالهم مع المحن الكبيرة والشدائد الجسيمةالتي مرتْ بهم، فما حالنا نحن مع ما نلاقه من صعاب في حياتنا؟
فليكن حالهم وعظاً ناطقاً لنا، ومحفزاً على التخلق بالصبر.
إنَّ من شأن هذين الأمرين شحن المرء بطاقة إيمانيه عظيمة تأخذ بيده نحو التحلي بهذه الفضيلة، وتعكس استسلامه لله والإيمان المطلق بالخير الوفير الذي هو من عند الله، كما تعكس عزيمته ومثابرته على العمل بالرغم من العراقيل والتحديات.
إنك إنْ بلغت تلك المرتبة من الإيمان المطلق، وغدا قلبك عامراً بالصبر اليقيني بلطف الله وبما عنده من الثواب والأجر؛ لن تكون في حاجة من يوصيك بالصبر، بل ستقول له:
لا تقلْ ليّ مرةً أخرى:اصبرْ!
سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي