كيف ترسم خريطة حياتك؟

إنْ أردنا أن تكون حياتنا سليمةً، وأنْ تنمو أرواحنا؛علينا بالاهتمام الكبير بالإخلاص للحقيقة.
فكلما رأينا حقيقة العالم بوضوحٍ أكبر؛ تجهزّنا بصورةٍ أفضل للتعامل معه.
وكلما رأينا حقيقة العالم بوضوحٍ أقل؛ تعرّضتْ أذهاننا للتشويش بصورةٍ أكبر من الأباطيل، والأفكار المغلوطة، والأوهام، وقلّتْ قدرتنا على تحديد مسارات الفعل الصحيحة واتخاذ القرارات الحكيمة.
تُمَاثُل رؤيتنا للواقع الخريطةَ التي نستدل بها على طريقنا في هذه الحياة. فإذا كانت الخريطة صحيحة ودقيقة؛فسنعلم موقعنا بصورةٍ عامة، ولو حددنا المكان الذي نريد بلوغه؛ فسنعلم بصورةٍ عامة أيضاً كيف نصل إليه، أمّا إذا كانت الخريطة غير صحيحة وغير دقيقة؛فسنتيه على وجه العموم.
ومع أنّ هذا الأمر واضح جليّ، فإنه يُجسّدُ خياراً يتجاهله معظم الناس بدرجاتٍ متفاوتة.
إنهم يفعلون ذلك؛ لأن طريقنا إلى الحقيقة لا يمكن التماسه بسهولة. فنحن لا نولد بادئ الأمر والخرائط بين ظهرانينا،بل يجب علينا أن نضعها، وهو ما يتطلَّب بذل الجهود وتكاتفها. فكلّما بذلنا جهوداً أكبر لفهم الواقع وإدراكه؛ كانت خرائطنا أشمل وأكثر دقة.
لكن الكثير من الأفراد لا يرغبون في بذل تلك الجهود، ويتوقف بعضهم عن بذلها في مرحلةٍ مبكرةٍ من عمره؛لذا تُعدُّ خرائطهم صغيرة في حجمها وفقيرة في محتواها، ونظرتهم إلى العالم ضيقة ومُضلّلة.
لكن المشكلة الكبرى المتعلقة بوضع الخرائط لا تتمثل في أنه يجب علينا البدء من الصفر، بل في تحليل وتنقيح خرائطنا بصورةٍ متواصلة إنْ أردنا أن تكون دقيقة.
فما الذي يحدث حين يكافح المرء لتطوير رؤية فاعلة لعالمه بما يمثل خريطة عملية مفيدة كما تبدو الحال عليه، ويواجه فيما بعد بمعطيات جديدة تشير إلى أنَّ تلك الرؤية غير صحيحة، وأنَّ الخريطة في حاجة إلى إعادة الرسم على نطاق واسع؟
عادةً نرضخ -وبصورة غير واعية- لفعل التجاهل في الكثير من الأحيان؛ لنتجاوز نطاق الإذعان إلى حدٍ بعيد. ويمكن أن نقاتل لمقارعة تلك المعطيات الجديدة، والتمترس وراء مسلماتنا، وممارسة التلاعب والتحايل؛ كي نجعل الأمور متوافقة مع رؤيتنا للواقع.
وقد يعمد الفرد عوضاً عن محاولة تغيير الخريطة إلى محاولة تدمير الواقع الجديد، ويمكن أن يوظف الكثير من الطاقة؛ للدفاع عن نظرته للعالم بما يفوق ما هو مطلوب من تلك الطاقة بصورة كبيرة لمراجعة نظرته تلك وتصحيح مسارها في المقام الأول.
إنَّ إخلاص المرء للحقيقة يُعدّ تقنية حياتية لازمة للتعامل مع الألم الناتج عن حلّ المشكلات، هذا الإخلاص للحقيقة يعني أن يكون المرء مستعداً للتحدي بصورةٍ شخصية، وأنْ تتوفر لديه القابلية الذهنية العالية؛ للتأكد من أنّ خريطته للواقع صالحة، ومتوافقة مع معطيات الحياة وصيرورتها، وذلك يتمثل في إخضاعها للنقد والمكاشفة والوضوح.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *