سيلفي مع “ماجد المهندس”!

أن تكون مشهوراً في هذا العالم؛ فهذا قدرك.
لكن عليك أن تكون مستعداً لإدراك كينونة هذه الشهرة.
فأنْ تكون مشهوراً يكمن في أن ماهيتك تصبح محجوبة بالكامل بصورة ذهنية جماعية.
فمعظم الذين تلتقيهم يريدون أن يعززوا هويتهم
– الصورة الذهنية عن ماهيتهم – عبر الارتباط بك كشخص مشهور.
هم أنفسهم قد لا يعرفون أنهم غير مهتمين بأمرك على الإطلاق، بل فقط بتقوية إحساسهم المتخيل بالكامل بذواتهم.
يعتقدون أنهم من خلالك يمكنهم أن يصبحوا أكثر أهمية، ويسعون إلى إكمال أنفسهم من خلالك، أو بالأحرى من خلال الصورة الذهنية التي لديهم عنك كشخص مشهور، كهوية مفهومية جماعية تتجاوز مجرد التقاط صورة معك.
إن المبالغة العبثية في تقدير الشهرة ليست إلا أحد مظاهر الجنون الأنوي في عالمنا هذا. وبعض المشاهير يقعون في الخطأ نفسه ويتماهون مع الخيال الجمعي -الصورة التي رسمها الناس أو الميديا عنهم- ويبدؤون يرون أنفسهم فعلاً كأشخاص متفوقين على البشر العاديين.
وكنتيجة لذلك يصبحون أكثر فأكثر اغتراباً عن أنفسهم وعن الآخرين، أكثر شعوراً بالتعاسة وأكثر اعتماداً على استمرارية شعبيتهم.
وإذ يحيطون أنفسهم بأشخاص يغذون صورتهم الذاتية هذه؛ فإنهم يصبحون عاجزين عن إقامة علاقات أصلية.
لم يقع ألبرت أينشتاين -والذي كان قدره أن يصبح واحداً من أشهر الناس على الكوكب- في فخ التماهي مع الصورة التي أنشأها العقل الجمعي عنه. فقد ظل متواضعاً،وغير أنوي،بل أنه تكلم عن “التناقض الهائل بين ما يحسبه الناس إنجازاتي وقدراتي وحقيقة من أنا وما أنا قادر على فعله”.
لهذا السبب من الصعب على شخص مشهور أن يقيم علاقة أصلية مع الآخرين؛ فالعلاقة الأصلية لا تسيطر عليها “الأنا” المهووسة بصنع الذات والسعي إلى الذات؛ ففي العلاقة الأصلية هناك تدفق إلى الخارج للاهتمام المنفتح المتنبه نحو الشخص الآخر بحيث لا تكون هناك مصلحة على الإطلاق. ويأتي الاهتمام المتنبه “الحضور” ليمثل الشرط اللازم لأي علاقة أصلية.
لكن “الأنا” دائماً إما تريد شيئاً ما، وإما إذا كانت تعتقد أنه ليس بها حاجة لشيء في الآخر؛ فتكون في حالة من اللامبالاة التامة، فلا يهمها أمرك.
وهكذا نرى أن هناك ثلاث حالات مهيمنة من العلاقات الأنوية، هي: المصلحة، المصلحة المحبطة ( الغضب، الازدراء، اللوم، التذمر )، واللامبالاة.
وهذا يفسر لنا كثير من حالات الانتحار التي تنتهي حياة بعض المشاهير أو على الأقل حالات القلق النفسي الذي يعتبر البعض منهم نتيجة إصابتهم بالفراغ الوجودي، فهم على المستوى المهني حققوا ما عجز عنه غيرهم، لكنهم في ذات الوقت لم يشعروا بالسعادة التي تبلغ بهم إلى الضفة الأخرى من الحياة من السلام والسكينة.
وما نشاهده من هوس من البعض في ملاحقة المشاهير؛ يجعلنا ندرك أمرين:
أولهما:
أن تلك الملاحقة وذلك الهوس يعني أنَّ ثمة فراغاً روحياً لدى من أصابه الهوس بملاحقة المشاهير، ويظن أنَّ في سعيه هذا سيتمكن من تعبئة ذلك الفراغ وردم الخواء الذي يسكنه.
ثانيهما:
أنّ المشهور قدره أن يكون مشهوراً، لكن عليه أن يعي أن ذاته لا تتحقق بتلك الشهرة، بل في اتصالٍ وثيق مع ذاته الحقيقية التي يشعر بها وليست التي شكّلتها له شهرته.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

4 تعليق على “سيلفي مع “ماجد المهندس”!

فاطمة الصباح

تلك صفة قد أُبتلي فيها أسخاص تفكيرهم في إطار ضيق وعليه أن يفيق لنفسة ويقف معها وقفة ( إعادة حسابات )
شكراً استاذنا على روعة مقالك …. قد شد إنتباهي العنوان مما استفزني ايجابياً للقراءة

سليمان البلادي

شكراً استاذة فاطمة لمرورك الجميل وقراءتك الواعية.

أحمد بن مهنا

هو فراغ في جعبة قيادية ، لاتقبل أن تبقى فارغة ، ويقابلها جعبة أخرى بوقية لا تستطيع الصمت ودائمة الضجيج فتملأ كل فراغ وتزاحم كل مليء ، وعدسات بصرية تلتقط صورا مشوهة وتطلق عليها تلك الجعبة مسميات تميل إليها نفوسهم وتبجل !
فانقلبت المعالم ، وانكفأت الموازين ، فصار التوافه مشاهير ، وصارت أولئك بجعبهم الفارغة من القيم القيادية تبعا لجلجلة ليس لها من الشهرة إلا الّلجلجة و (بنط ) الكتابة الكبير المسود بالحبر ..

كم نحن بحاجة لمثل فكرك هذا وتعبيرك الناقل له لمن يراه .
شكرا كاتب المقال ، الأستاذ سليمان.

سليمان البلادي

عاطر التحايا ووافر الود لكريم مرورك وجمال تعقيبك استاذنا القدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *