تُطلُّ علينا الأخبار عبر نوافذ أجهزتنا بخبر تفشّي وباء كورونا في أنحاء متعددة من بلدان العالم.
هذا الوباء الذي وَحّد العالم -إنْ جاز التعبير- يدنو من قلب كل إنسان ليسرق سعادته الشخصية، وليتجاوز ذلك القلب الصغير إلى سرقة قلوب كل المجتمعات الإنسانية على وجه الأرض.
يحدث هذا التجاوز؛ لأن المجتمع “العالم” ما هو في النهاية إلَّا حصيلة العوالم الداخلية لنا، لكن بشكلٍ أكبر.
وهذا السبب الذي يجعلنا نقتنع أنَّ وراء كل التغيير المجتمعي “العالمي” لابد أنْ يبدأ في قلب كل واحدٍ مِنّا.
يأتي هذا الوباء كَلِصٍّ؛ ليسرق مِنّا ما هو مستحق لنا.
هذا الإتيان يجعلنا نقف مذهولين أمام صخرةٍ عظيمة كُتِب عليها سؤال أعظم:
كيف نسمح لهذا اللص بأنْ يسرق مِنّا السعادة التي هي حالتنا الطبيعية؟
لذا يُمكننا أَلَّا نبحث عن السعادة بقدر ما يتوجب علينا أَلَّا نقف عائقاً أمامها.
فهذا اللصُّ يسرق مِنَّا الانسجام الذي نقدر على تحقيقه كمجتمع.
ولعل من المفارقات المُضحِكة المُبكِية في الوقت ذاته، أننا نعيش في عالمٍ غارق في الكتب والمحاضرات عن السعادة، ولكن تحيطُ بنا التعاسة في كل مكان.
في حين أننا لو تأملنا فكرة الحاجة إلى البحث عن السعادة تحمل في جوهرها الاعتقاد أنَّ السعادة والرضا ليسا حالتنا الطبيعية، وأنه يجب علينا وبشكلٍ ما الانطلاق في رحلةٍ بطوليةٍ؛ لاستكشاف ما يجعلنا سعداء.
وحتى إذا ما سَلّمنا بصحة ذلك الاعتقاد، نتفاجأ ونحن في بحثنا الدؤوب وسيرنا الحثيث نحو السعادة بمن يأتي إلينا ليُنبهنا أننا نسلك الطريق المُنحدرة، بل الأدهى والأمرّ من ذلك أنَّ الكثير منا أصابه الهلع وسكن قلبه الوجل من كثرة ما يسمع عن الخيبات في الفوز للوصول إلى ذلك الفردوس المزعوم، حتى أمسى كمن أُصيب بداء كورونا وبات ينتظر موته.
إنَّ الإنسان الذي رُزِقَ الحكمةَ والوعي يمكنه أن يخرج من تلك الدوامة، وأنْ يفصل السعادة عن الأحداث والظروف التي يمر بها في حياته؛ لأنَّ السعادة في تصوره ليست مُرتبطة بصورةٍ مباشرة بما يجري في حياتنا لحظةٍ بلحظة، ولكن يكمن جوهرها في الاتصال الواعي بالله عزَّ وجل.
فالسعادة من منظوره لها قيمة دائمة قوية في حد ذاتها بصرف النظر عن ما يمر به من ظروفٍ وأحداث.
سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي