كلنا نواجه في الحياة كمّاً محدداً من الأحداث لم نختاره، ولا منّينا النفس به، وإنما فُرِض علينا فرضاً إذا صح القول وهو ما قد نُسميه “مُعطى الحياة” كمكان ولادتنا، عائلتنا، العصر الذي نعيش فيه، وقدراتنا وصفاتنا، بل حدودنا وعوائقنا.
••••••••••••••
إنه في مقدرونا أن نرفض مصيرنا رغبةً منا في أن تكون الأمور على غير ما هي عليه.
وقد نتمنى ألَّا نطعن في السن، ولا نقع أبداً عرضةً للأمراض، وألَّا نذوق الموت.
كما يرفض البعض ثقافة مجتمعه، وأسرته، ومكان ولادته، في حين لا يرض البعض الآخر عن جسمه، أو طبعه، ويشكون من قيود جسدية أو نفسية معينة.
••••••••••••••
وهذا الرفض له ما يبرره ويمكن إدراكه.
ومع ذلك، فإن الصفاء والفرح والسلام الداخلي لن تكون من نصيبنا ما دمنا لم نُسلّم بحقيقة الحياة والقبول التام لها على نحو ما هي متاحة لنا بما تنطوي عليه من أمور محتومة.
على أن هذه الـ “نّعْم” المستجيبة للحياة لا تعني أنه ينبغي الكف عن محاولة التطور والنمو، وتعديل ما يمكن تعديله، وتفادي ما يتيسر تجنّبه من عقبات.
••••••••••••••
إنه علينا أن ندرك جيداً أنه يستحيل العثور على السلام الداخلي إذا كانت المسافة بيننا وبين ما لا نقبل به مرتكزة على استياءٍ دائم، وحقدٍ دفين، ورفْضٍ لما كان قائماً من قبل.
في حين أنَّ الحكمة تبدأ مع قبول ما لا يمكن تجنّبه، وتستمر هذه الحكمة في الحضور عبر تغيير ما يتسنّى تغييره بصورةٍ صحيحة.
هذه الحكمة أيضاً سترشدنا إلى أن هناك ثمة فارق بين ما يتوقف علينا فعله ويحق لنا تغييره بحرية، وبين ما لا يتوقف علينا فعله وهو ما ينبغي قبوله والتسليم به.
••••••••••••••
وما يحدث أحياناً أننا نودُّ تغيير ما لا يتوقف علينا، والامتناع عن تطوير ما يتوقف علينا فعله. ولكن علينا أن نعي أنَّ موقفاً كهذا الموقف لا يؤدي إلَّا إلى مزيدٍ من الشقاء والضنك.
••••••••••••••
إنَّ أشقى قومه هو من انبعث ليعقر ناقة الحياة حتى تفرق دمها بين شيعته ومجتمعه المحتل بأوهام تحدي الواقع المكتوب والمصير المحتوم يزيده غوايةً في هذا الفعل عقلٌ مختل بالذهان والاضطراب وداء العظمة وفقدان الوعي.
في حين أن رشيدهم هو مَنْ وُفّق في تحقيق التكافؤ بين قبول المحتوم عليه، وبين قدرته على تحويل ما يمكن تحويله وتطويعه لنفعه وفائدة قومه.
••••••••••••••••••••••••••••
سليمان مُسلِم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي