من المهم أنْ نعرف بذرة وفاكهة الطريق الروحي.
ومن الضروري أيضاً أنْ نعرف البداية والنهاية لهذا الطريق وأبرز معالمه.
إنَّ من يتقدَّم دون أنْ يتبين السبب والنتيجة؛ يرتكب الأخطاء.
فالسير وحده لا يكفي، فلا أحد يصل هدفه بمجرد السير فقط.
إنَّ اتجاه وطبيعة الممارسة الروحية لا بُدَّ أيضاً أنْ يكونا صائبين.
••••••••••••••••••••
في الطريق الروحي ثمة شيء واحدٌ رئيس، وهناك أيضاً أمورٌ أخرى هامشية.
وإذا ما تركَّز الجهد على ما هو أساسي؛ فإنَّ الأمور الأخرى ستتكفل بنفسها.
فهذه الأمور الأخرى ما من سبب يدعو لأنْ نعتني بها بشكلٍ منفصل، إذْ هي ليست سوى تجليات المركز.
ولذا؛ فإنَّ الجهود المبذولة في الهامش لا جدوى منها.
هناك تعبيرٌ معروف بهذا الشأن يتداوله الناس، فيقولون:
“بلاشي لفّ ودوران” فأنّْ تظل تشتغل على الهامش فإنه شبيهٌ بذلك اللفّ والدوران.
••••••••••••••••••••
إذن ..
ما هو المركز، وما هو الهامش؟
العرفان هو المركز، والتواضع هو الهامش.
العرفان هو البداية، والتواضع هو النتيجة.
العرفان هو البذرة، والتواضع هو الثمرة.
••••••••••••••••••••
غير أنَّ الناس -عموماً- يبدأون من الاتجاه المعاكس؛ فيبدأون من التواضع ويريدون أنْ يُحوُّلوا التواضع عرفاناً.
لكن التواضع لا يمكن أنْ ينبت في تربة الجهل، بل أنَّه لا يمكن أن يُزرع على الإطلاق.
فالتواضع المزروع ليس تواضعاً، بل هو غطاءٌ زائفٌ يُخفي تحته عجز التواضع المقموع.
••••••••••••••••••••
حتى أنَّ التدّرب على التواضع هو خداع محضّ.
فالتواضع المفروض المغروس في الجهل خطير جداً؛ لأنَّ ما لا وجود له يتبدَّى موجوداً فيه. وما ينبغي أنْ يتحقق ويُنفذ؛ يضيعُ ويُمَّحى كلياً.
••••••••••••••••••••
المسألة ببساطة شديدة هي أنَّه لا يمكن أن نحقق التواضع مباشرة في الجهل؛ لأنَّ تجليات الجهل هي ذاتها انعدام التواضع، وليس انعدام التواضع سوى الجهل نفسه.
وعليه، فإنَّ ما ينبغي تحقيقه ليس التواضع، بل هو العرفان.
فالعرفان ذاته حينها يصير تواضعاً.
••••••••••••••••••••
إنَّ ممارسة العرفان والمداومة عليه يهب صاحبه قدراً كبيراً من السكينة والتسليم والتواضع، ويسبغ على الأفعال تعظيماً وإجلالاً للخالق عزَّ وجل.
ولعلَّ العرفان يملأ تفاصيل يوم الإنسان المسلم، فعليه بالمداومة عليه وتهذيب نفسه؛ لأجل حملها على التعوُّد على الالتزام بهذه الممارسة الروحية.
••••••••••••••••••••
سليمان مُسلِم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي