قدر الإنسان أن يكون مجتمعياً حتى وإنْ تفاوت عمق هذه البئر المجتمعية المحتومة.
فالناس حول هذه البئر بين غارفٍ، وعازفٍ، وبين بين.
وكل من هؤلاء الثلاثة له شرعة ومنهاجا اتخذه له عقله وقاده رشده لتلك البئر وكيفية أخذه منها.
وعليه فمن الواجب على الفرد أن يمتلك مخزوناً ذاتياً من الجسارة النفسية والمرونة العقلية والذكاء العاطفي الذي يمكنه من التعامل الأمثل مع ما يلقاه من زحام حول تلك البئر.
لكن المتأمل لحال الكثير من الناس حول هذه البئر والواردين عليها والصادرين عنها؛ يجد بوناً شاسعاً في كيفية التعاطي مع حكايات ظروف وقصص معيشة بعضهم البعض.
فبعضهم إنْ استمع لقصة أحدهم؛ تبنّى توجهاته، وتقمّص عواطفه على نحو أحمق؛ فتراه يفسد يومه؛ بسبب ما سمعه من ذلك الرجل الذي كان يجالسه حول البئر؛ فيمضي قلبه بائساً، وجهه عابساً، شاكياً دهره.
وبعضهم تجده عازفاً عن ذلك كله، قد يمم وجهه شطر شأنه، فهو لا يُعير غيره شأناً، ولا يلقي له بالاً. وكأنه وحيد ليس حوله أناس عابرين ومستقرين فهو عازف عن غيره، زاهد في شؤون الناس إلا فيما يخصه وما يجلب له منفعةً، ويُدني منه فائدةً.
والفئة الثالثة من هؤلاء الناس الذي طوُّقُوا البئر المجتمعية، تجدهم في حالٍ بين حال الأولى والثانية؛ فلا هي غرفتْ بدلوها من آبار الناس دون وعيٍّ وبصيرةٍ، ولا هي عزفتْ عن الإقبال على تلك الآبار، بل كانت أمة وسطا؛ فأخذتْ برشدٍ وحكمة، وأعطتْ من نفسها بطيب خاطر دون مغالاة أو انتظار رد.
هذه الفئة الثالثة تدرك أنه ليس من مظاهر العطف أو الصداقة لمن نهتم بهم أن ننضم إليهم بالانغماس في مشاعرهم السلبية ومشكلاتهم الحياتية.
ويفهمون جيداً أيضاً أنهم إذا وجدوا أنفسهم في حديث مع إنسان حزين أو محبط؛ مدُّوا له جناح الرحمة والشفقة والعطف دون أن يسمحوا لأنفسهم بالانغماس أكثر من ذلك.
سليمان مُسلِم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي