الظُرْفُ و الظُرَفاء

كل شيء نراه في هذا الكون قد قسمه الله بين الخلائق كل موهبة يعطيها الله لعبد من عباده فهي رزق فالأرزاق ليست في المال فقط ، مخطئ من ظن أوحصر الرزق في المال فالرزق بمفهومه العام اكبر من هذا الفهم وأعم فإذا حاولنا أن نعدد الأرزاق فنحتاج الى قائمة طويلة جداً طولها شهر وعرضها دهر فنِعمُ الله لا تعد ولا تحصى وكل موهبة أُعطيت للإنسان فهي من الأرزاق التي قسمها الباري جل جلاله بين الخلائق والله عادل في قسمته لو فهم الناس الأمر ، وحديثي هنا عن موهبة الظُرف في سرد الحكايات وادخال السرور إلى الناس فحتى هذه تعتبر موهبة سرد القصص بطريقة تشد المستمع ، نعم فهي ظُرف فقد كانت تعقد مجالس عند الخلفاء لمثل هؤلاء الذين أعطاهم الله نعمة إدخال السرور لقلوب اليائسين الذين اتعبتهم هموم الحياة وهي تعتبر من جبر الخواطر التي يثيب الله صاحبها بالثواب الجزيل وهي نعمة لا تعطى لكل واحد فسبحان الله فالمواهب مقسمة كالأرزاق فهي رزق نعم إدخال السرور الى أنفس من يحملون على عواتقهم جبالاً من الهموم والأحزان عن طريق الحديث بطريقة جميلة لا يجيدها كل إنسان بشرط ان لا تكون هذه الأحاديث فيها من الكذب والادعاء أو الغيبة والنميمة أو فيها من البذائة أو الفحش فقط تكون الحكايات نقية كأنفس هؤلاء الظرفاء فبالرغم مما يحملون من متاعب وهموم فهم ينسون كل ذلك عندما يحاولون إدخال السرور الى قلوب الناس واخراجهم من دائرة الهم والحزن إلى فسحة السرور هم محسنون بطريقتهم التي حباهم الله إياها إذا قابلوك ترى البشاشة في وجوههم وتتمنى ان لا تنقل بصرك عنهم لما يشعرونك بالراحة لذلك قال الرسول الكريم ﷺ ( تبسمك في وجه أخيك صدقة) ماذا يكلف الإنسان حينما يقبل على اخيه هاشاً باشاً يملأ وجهه البشر ويطفح بالسرور ولقد تذكرت قول الشاعر إيليا أبو ماضي حين قال في قصيدته الرائعة
ابتسم -:-

قال السماء كئيبة وتجهما
قلت ابتسم يكفي التجهم في السما

********

قال الصبا ولى فقلت له ابتسم
لن يرجع الأسف الصبا المتصرما

********

قال الليالي جرعتني علقما
قلت ابتسم ولإن جرُعت العلقما

********

اتراك تغنم بالتبرم درهما
أم انت تخسر بالشاشة مغنما

********

ياصاحِ لا خطر على شفتيك
أن تتثلما والوجه أن يتحطما

********

فاضحك فإن الشهب تضحك
والدجى متلاطم ولذا نحب الانجما

إلى آخر القصيدة الرائعة التي تدعو للتفاؤل ونبذ الكآبة جانباً والإقبال إلى الدنيا بروح الشجعان الذين لا تهزمهم حوادث الأيام ولا تنال من عزيمتهم بنات الدهر فهم دائماً متفائلون ويقولون في يقين صادق (غدٌ أفضل) فمهما قارعتهم الخطوب ووقفت الدنيا عابسة بوجهها الكالح المكفهر فإذا بهم يبتسمون في وجه الخطوب ويرفعون أبصارهم واكفهم إلى السماء ويقولون للدنيا لن تهزمينا ما دمنا علقنا أرواحنا بخالقها فنحن على يقين بأنه سيعطينا ما سألناه فقد سألنا كريماً يعطي من غير سؤال فكيف ونحن نسأله نعم هؤلاء هم الظرفاء الذين يدخلون السرور والحبور الى قلب كل محزون ونفس كل متعب فإذا بها تتلألأ أمامهم نجومٌ نيرة وأقمارٌ ساطعة من الأمل ألم أقل لكم إنها أرزاق لا تعطى إلا لمن اختارهم الله بسبب صفاء نفوسهم ونقاء قلوبهم وطيبة سرائرهم نعم إنها هبة وما أجملها من هبة حين يأخذون بأيدي أناس داهمتهم الهموم فإذا بهم ينامون نوم قرير العين ينامون تملأ قلوبهم ونفوسهم وجوانبهم السعادة يتقلبون في نعيم رضى الله عنهم لأنهم رسل الخير والطمأنينه والسلام فهنيئاً لمن هذا شأنه من منحه الله هذه الهبة من اعطاهم الله جبر الخواطر وكما قيل في المثل الدارج جبر الخواطر على الله وجبر الخواطر شيء جميل وجميل جدا يعطي الله صاحبها الثواب الجزيل نعم يجبرون الخواطر في زمن أصبحت الصدور ضائقة والأنفس مشحونة بسبب تحكم المادة على تفكير الناس وهؤلاء هم بمثابة البلسم والترياق لأمراض هذا العصر المادي البحت الذي يكاد يكون خالياً من الروحانيات زمن كئيب برغم كل انواع الرفاهية فتحية إكبار وإجلال لمن هذا شأنه وديدنه والسلام على قلوب مليئة بالحب لكل الخلق.

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “الظُرْفُ و الظُرَفاء

د. سالم بن رزيق بن عوض

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ القدير الأديب إبراهيم يحي أبوليلى
ما شاء الله تبارك الله
مقالة شاملة كاملة ومميزة
وتعالج احتياج إنساني
وفقكم الله تعالى لما يحبه ويرضاه.

إبراهيم يحيى أبو ليلى 🌹

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حياك الله وبياك دكتورنا وشاعرنا القدير تحياتي وتقديري لكلماتك الضافية التي زادت المقال جمالا واضفت علية روننقا من شذا عبير مروركم الكريم رفع الله قدرك وزادك علما ومعرفة ونفع بك ورزقك سعادة الدارين انت ووالديك وكل احبابك يارب تسلم ياغالي حفظك الله ورعاك ايها النبيل دمت بود ودام لك الود 🌹🌹🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *