الألمُ الذي نَفرُّ منه!

أمرٌ طبيعي اختلاف استجاباتنا وتباين ردود أفعالنا.
فقد تعصف بنا أحداث الحياة، ويتكدر ماء صفوها، وينقلب حالها.
وأحياناً نجد أنفسنا نتأرجح بين حاليّ الهناء والشقاء، وكأن الحياة تختبر قوة تحملنا وسعة صدورنا، وتضع مقدار تمسكنا بحلمنا وأناتنا تحت مجهر الواقع الأليم الذي نفرُّ منه ونُشِيّح عنه بوجوهنا.
وحتى نتمكن من تجاوز ما نمر به من مطبات الحياة، يمكننا أولاً أن نمنح لذلك الألم مساحةً كافية للتعبير عن نفسه عبر مروره ونفاذه من خلال قنوات عقولنا وشرايين قلوبنا؛ حتى تكتمل دورة حياته العاطفية في داخلنا، ومن ثم العمل على السماح له بمغادرة أنفسنا عبر عودتنا التدريجية للركض في خضم الحياة، إلى يصبح مصيره الزوال والتلاشي.
إنَّ ما يحدث عند الكثير هو الاستغراق في الألم، واجترار الذكريات الجالبة له،واستعذاب العزلة والانسحاب من المحيط الذي يعيش فيه.
والبعض يعمد إلى تجاهل وجود الألم، وممارسة كبته؛ظناً منه أنَّ ذلك من قوة الإنسان وشدة بأسه.
فهو رغم ذلك الإقصاء لجرحه والإدّعاء بعدم وجوده لا يزال الألم يستوطن جوارحه ويتحكم فيه.
ومعنى ذلك أنَّ ثمة جرح لازال ينزف، وأنه لم يعثر بعد على الضماد الصحيح، ولم يعرف الطريقة الصحيحة لمعالجته.
ويعني ذلك أيضاً أنَّ ثمة كتلة من الألم لا يزال يحملها معه بوعي أو دون وعي منه.
وأن ذلك الجرح كان قوياً لدرجة أن مخالبه قد فتكتْ به، ولا تزال تنهش فيه، وتقتات على مساحة الفرح التي بقيت له.
والبصير بنفسه من جعل لذلك الألم زمانه ومكانه وعاشه بكل تفاصيله وجزئيات أوجاعه. وفي الوقت نفسه عَمَدَ إلى مدِّ حبالٍ من نور الاستغفار، وقبسٍ من طلب الرحمة واللطف إلى السماء.
فهو في ذات الوقت يملأ الامتنان قلبه لخالقه، ويعمل جاهداً من أجل فحص تلك الأحداث وصولاً للخير الذي سكن قاع رحم ذلك الألم.
فهو فخورٌ بتلك الأيام التي لم تكن قابلة للتخطي، ولكنه -بلطف الله ورحمته- تمكن من تخطيها رغم صعوبتها بندوبٍ خفية لا يعرف عنها أحد.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

تعليق واحد على “الألمُ الذي نَفرُّ منه!

ندى عدنان الحافظ

بوركت الأنامل التي خطّت والعقل الحكيم الذي نسج خيوطاً نرتق بها جراحنا ونحلّق بشكوانا إلى الرحمن الرحيم الذي بعزه وجلاله يبعث غيثا من غمامات الصبر والرحمة والأجر العظيم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *