التركيز المستمر يعني التدفق المنتظم وغير المتقطع للفكر، وهو نِتاج الصبر والمثابرة وحسن السيطرة.
كثيراً ما يُساء فهم التركيز؛ فيعتقد الناس أن هناك شغل أو جهد مرتبط بعملية التركيز، بينما ما يلزم هو عكس ذلك تماماً. فقدرة واحترافية الممثل تكمن في حقيقة أنه ينسى نفسه عندما يمثل شخصية ما، ويصبح مرتبطاً بها بشكل عميق بحيث أن المشاهدين يرون هذا التمثيل وكأنه حقيقة.
هذا المثال يعطيك صورةً صحيحة عن التركيز الحقيقي، فيجب أن تكون مهتماً بفكرتك ومستغرقاً فيها بحيث لا تكون واعياً لأي شيء آخر.
هكذا تركيز يقودك إلى الإدراك البديهي والبصيرة الفورية لطبيعة الأشياء التي تركز فيها.
إنَّ كل المعرفة هي نتيجة لتركيز من هذا النوع، وبهذا الأسلوب يصبح العقل مغناطيسياً يجذب المعرفة عبر الرغبة فيها، فتنجذب نحوه دون أي مقاومة وتصبح ملكاً له.
إنَّ التركيز لا يعني مجرد تداول الأفكار، إنما هو عملية تحوير الأفكار إلى قيمتها العملية.
ولذا نجد أنَّ هذا المعنى قد يغيب عن الشخص العادي؛فهو لا يملك مفهوماً لمعنى التركيز، فهو دوماً يسعى لأن “يأخذ” وليس لأن “يكون” ، وهو لا يدرك أنه يستحيل أن تحصل على أحدهما دون الآخر، وأنه يجب أولاً أن تجهّز “العشَّ” قبل أن تجد ما تضيفه إليه.
إنَّ كل الاكتشافات والمكتسبات العقلية هي نتيجة الرغبة والتركيز.
فالرغبة هي أقوى أشكال الفعل، فكلما كانت الرغبة أكثر إلحاحاً؛ كلما كان الإلهام أقوى.
إن لحظة واحدة من التركيز العميق والرغبة العميقة قد تأخذك إلى أبعد مما تأخذك إليه عشر سنوات من الجهد القسري البطيء.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي