تستبدُّ بنا الأنا دون أن نشعر، وتستعمر أراضي أذهاننا، وتنشر جنودها، وتستبيح دماء قلوبنا، وتتخطّفُ بُنيّات أفكارنا دون وعيٍّ منا.
فعلى المستوى الجمعي نجد فعل الأنا في المنظومة الذهنية “نحن مصيبون وهم مخطئون” هي متجذرة عميقاً في تلك الأجزاء من العالم حيث النزاع بين أمتين أو عرقين أو قبيلتين أو ديانتين أو أيديولوجيتين، طويل الأمد، وجذري، ومزمن.
كل من طرفي النزاع يتماهى مع منظوره الخاص، مع ” قصته ” الخاصة، أي مع الفكر.
وكل منهما عاجز بالتساوي عن رؤية أنه قد تكون هنالك قصة أخرى وأن هذه القصة قد تكون صحيحة.
في نواح عديدة من العالم الناس غير مستعدين بعد أو غير راغبين بفعل ذلك .
كل من الطرفين يعتقد أنه يمتلك الحقيقة ويعتبر نفسه ضحية و “الآخر” شراً، ولأنه قد وضع هذا الآخر في إطار مفهومي وشيطنه بوصفه العدو؛ فيمكنه قتله وممارسة شتى أنواع العنف عليه، وحتى على الأطفال، من دون الإحساس بعذاباتهم وإنسانيتهم.
وهكذا يصبح الطرفان عالقين في دوامة مجنونة من الجرائم والعقوبات، الأفعال وردود الأفعال.
يصبح واضحاً هنا أن “الأنا” البشرية في مظهرها الجمعي ، أي كـ ” نحن” ضد ” هم”، هي أكثر جنوناً من ” أنني”، أي “الأنا” الفردية، رغم أن الآلية هي نفسها. إلى حد كبير فإن جزءاً كبيراً من العنف الذي مارسه البشر ضد بعضهم بعضاً، لم يقترفه مجرمون أو مختلون عقلياً، بل أشخاص طبيعيون ومواطنون محترمون يعملون لخدمة “الأنا” الجماعية.
ويمكن أن يمضي المرء بعيداً ليقول أنه على كوكبنا هذا فإن “الطبيعي” يعادل الجنون.
فما هذا الذي يقبع في جذور هذا الجنون ؟
إنه التماهي التام مع الفكر والعاطفة.
مع جنون “الأنا”!.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي