كنتُ أُحاضرُ في أمسيةٍ ثقافية، وبعد تقديم المادة العلمية الخاصة بالأمسية، أتاح مدير الأمسية مساحةً لمداخلات الحاضرين لطرح أسئلتهم واستفساراتهم.
وغالباً تأتي المداخلات كجوازٍ تعريف لأصحابها.
وعلى مدى عدة سنوات كنت أتأمل هذه المداخلات بكل اهتمامٍ وتفهُّم.
إن أهم ماقد يتم ملاحظته على طبيعة تلك المداخلات، أنها تُعبّر -ولو بدرجة بسيطة- عن مستوى وعي صاحب تلك المداخلة.
مع أهمية الأخذ في الحسبان الحالة الظرفية لوقت وحالة المداخلة وصاحبها.
وهذا الحال يمكنه قياسه على حواراتنا المختلفة سواءً داخل بيوتنا،أو مع الزملاء والأصدقاء، أو في برامج وملتقيات ثقافية.
إن الذي يقف خلف مستوى وعي المداخلات هو جُنديٌ خفي يقف على بُعْد كلمات،وعلى مسافةٍ قريبة من الأفكار يُدعى بالنسق الثقافي.
فهذا النسق الثقافي لديه البراعة في توجيه أذهاننا -دون وعي- إلى مساراتٍ معينة.
كما أنَّ لديه القدرة على التَّلوُّن والتشكُّل حتى يظهر في صورةٍ زاهية، وأيضاً لديه القدرة على المخاتلة ليتمكن من النفاذ إلى مسرح الحدث والإمساك بالمايك.
وإذا ما تم الانتباه إليه؛ فقد يلتهم أجسادنا الثقافية، ويُسيّر عقولنا نحو الاستسلام لتصوراتٍ ذهنية ليس بالضرورة أن تكون صحيحة.
فهو في غفلةٍ مِنَّا يمارس علينا ذوباناً للهوية، واستلاباً فكرياً، وينزعُ عَنَّا ثيابنا الأصيلة، ويُلّبسُنا ثوباً قشيباً أنيقاً فاخراً تمت استعارته من تاجرٍ أبهرنا بثروته وحياته الباذخة.
إن أكثر ما نحتاجه لفهم كينونة هذا النسق والطبيعة التي تَشكّلَ منها،هو الوعي الذي يمنح صاحبه قدرةً على تَبصُّر وتَدبُّر خطورة محتوى ذلك النسق الذي غالباً ما يعمد إلى وضْع الرصاص في بندقيتك؛ لتكون قاتلاً دون وعي منك؛ حتى تغدو مثل ذلك الجندي الذي لَقي حتْفه على يد صاحبه.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي