يبدو أنَّ الذاكرة والتخيُّل لديهما القدرة على توجيه بوصلة عقولنا وقلوبنا باتجاه السعادة أو الشقاء حسب ما تسكبه تلك الذاكرة، وما يدفع به ذلك التخيُّل في أوعية عقولنا وآنية قلوبنا.
ووفقاً لهذا المنظور؛ يعاني أغلب الناس كثيراً؛ بسبب ما يُسّفر عنه فعل الذاكرة والتخيُّل.
فأغلب الناس يحمل في داخله جروحاً من الماضي، ويتخيل أن المستقبل سيجلب له المزيد من التعاسة والشقاء.
فالذاكرة والتخيُّل يُديران دَفّةَ أمور حياتنا حسب ما يسكن جوفهما، وما يتغذّيان عليه.
وهذا ما تفعله تحديداً الذاكرة والتخيُّل بعقولنا وقلوبنا إذا ما كانت بوصلتهما تُشيّر نحو أرض الشقاء والمعاناة.
إنها تفتك بنا.
فكيف السبيل للانعتاق منها؟
إنه عند تأمُّل الحيوانات؛ نجد انَّ لديها ذاكرة وتخيُّل، لكنها ليست بهذا العمق الذي لدى بني البشر.
فهل نحن بحاجةٍ لنتعلم من الحيوانات مرةً أخرى كما تعلَّم قابيل من الغراب؟
فالحيوان الذي تُسيء إليه؛ سيذكر أنك اسأت إليه قبل عدة سنوات ،ولكنه خلافًا لبني البشر، لا يخطط للانتقام منك بعد مضي تلك السنوات.
إنَّ ذاكرته لا تتسع لذلك، ولا تمنح الانتقام مساحةً من ذاكرتها كما يفعل بنو البشر.
كذلك عند التبصُّر لحال الحيوانات؛ نجد أنها ليست مُثّقَلة بحمولة ألم الماضي، أو ينّتابها القلق تجاه الشيخوخة والعجز والموت مثلما يفعل بنو البشر الذين تجاوزوا التفكير في ما يستطيعون فعله إلى التفكير فيما لا طاقة لهم به، ولو أنهم سَلّموا أمرهم لخالقهم لكان خيراً لهم.
إن قدرتنا العقلية على استيعاب المعاناة والألم تدفعنا لإيجاد مهرب منهما ؛لذلك نجد الكثير من الناس يخططون في يومهم ما يُمكّنهم من الهروب من ألم الأمس، وتَجنُّب ألم الغد.
إن علينا -بدلاً من تجربة الإفلات والتهرُّب- مواجهة المعاناة عبر تشخيصها كما يُشخّص الطبيب داءً عضوياً مستعينين في كل ذلك بخالقنا عزَّ وجل مع الأخذ بالأسباب الحقيقية المُعِيّنة على تجاوز تلك المعاناة وصولاً إلى نتائج طيبة تجعلنا نُحّسِّن توظيف ذاكرتنا وخيالنا فيما ينفعنا.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي