الشهرة ذلك الغول الخفي

بسم الله الرحمن الرحيم….

الشهرة ذلك الغول الخفي…

لقد علمتنا التجارب والأحداث بما لا مجال فيه للشك أو الريب انه إذا تخلى العقلاء والحكماء واصحاب الرأي السديد والناصحون الأمناء الاوفياء عن مكانتهم وآثروا الصمت والسكوت وتبنوا الدعة والركون إلى الظل فحتما سوف يستلم الراية التافهون والرويبضة الذين اخذوا يصولون ويجولون كما شاءوا وكيف شاءوا والدليل ولو أننا لسنا بحاجة إلى دليل فالأمر واضح بيّن كالشمس في رابعة النهار فاليأخذ أحدنا جولة قصيرة في قنوات التواصل أو ما يسمى بالسوشل ميديا كما هو المتعارف عليه فسوف يصاب بالذهول هذا إن لم يصب بالجنون من كمية التفاهة والتهريج والهلس وإهدار القيم والمبادئ بإسم الشهرة، سوف يجد كل من لديه بضاعة فاسدة كاسدة عند العقلاء وأصحاب الراي قد نشر بضاعته في سوق كما يفعل النخاسون في سوق النخاسة كمية مهولة من الدجل والكذب والإسفاف وإراقة ماء الوجه والتسول والتذلل على أعتاب المتابعين لهم وللأسف لقد وجد هولاء من يشتري بضاعتهم الرديئة فالكاذب وجد من يحتاج لبضاعته ليدلس على الناس والعنصري وجد من يويده بشدة ليكنل نقص في شخصيته بأهانة الآخرين والفتان كذلك والنمام ومن دأب على دق إسفين الخلاف في المجتمع المتماسك بطريقة تحتار فيها الأبالسة ويا للأسف الشديد مرة أخرى تجد كل واحد من هؤلاء وغيرهم يلهثون وراء الشهرة بطرق يعلم الله ان الإنسان السوي يخجل بل يشمئز حتى من التفكير فيها عوضاً عن أن يتبناها ويتخذها هدفاً وغاية ويوغل فيها، لم يقدموا محتوى ينفع الناس ويسعى الى رقيهم بل قدموا محتوى ردئ يعف اللسان عن ذكره محتوى لا يشرف بني الإنسان محتوى مخجل حقيقة وليت الأمر إلى زوال بل هو يستشري كالنار تحت الرماد نسأل الله أن يسلم الأمة منه، هو أمر يحتار فيه الحليم فإن تكلم ناصح هاجموه بكل شراسة وتكالبوا عليه ووصفوه ووصموه بكل نقيصة وبأنه مخرب بل وعدوا التقدم والحضارة وكأن الشهرة لا تأتي إلا بنبذ القيم والمبادئ والمثل.

نعم الشهرة هذه العبارة التي أصبحت رديفة نبذ كل ما هو قيم نبيل وجميل في عالمنا بالأمس كانت هناك كلمة العيب فإذا بها اليوم تصبح عبارة رجعية يتبناها كل رجعي متأخر في عرفهم يجب أن يزول وتزال عبارته ويلقى في مزبلة الماضي السحيق كي لا يوقف عجلة التطور بزعمهم ولقد تأملت قول الشاعر الذي نظر الى الامور بعين البصيرة فرآها وضحة جلية فتمثل قائلا ونعم ماقال :-

مَتَى تَصِلُ العِطَاشُ إِلى ارْتِوَاءٍ إِذَا اسْتَقَتِ البِحَارُ مِن الرَّكَايَا

وَمَنْ يُثْنِي الأَصَاغِرَ عَنْ مُرَادٍ وَقَدْ جَلَسَ الأَكَابِرُ فِي الزَّوَايَا

وإِنَّ تَرَفُّعَ الوُضُعَاءِ يَوْمًا عَلَى الرُّفَعَاءِ مِنْ إِحْدَى الرزايا

إِذَا اسْتَوَتْ الأَسَافِلُ والأَعَالِي
فَقَدْ طَابَتْ مُنَادَمَةُ المَنَايَا

نعم الشهرة ذلك المسخ الذي البسوه ثوباً زائفاً يعافه اصحاب الهمم العالية، كأن التقدم والتحضر في عرف هؤلاء لا ينفعان الا بترك المبادئ الإنسانية النبيلة التي حث عليها الشرع وحثت عليها كل أمة تحترم نفسها….
أن التنافس محموم حول تلك البضاعة الفاسدة التي تعرض فيمن يزيد وصدق من قال….
هزلت حتى بدا من هزالها
كلاهاوحتى سامها كل مفلس

فالافلاس أصبح مطلوب بشدة في زمننا العجيب هذا من أجل الشهرة يتنازل المرء عن كل شيء جميل لذلك آثر العقلاء الصمت بل ونادوا به لأن بضاعتهم كسدت ولا يجدون من يسمع لهم وجدوا آذاناً صماء عن قول الحق وجدوا اعينا رمداء عن روية الحقيقة والذي يصدّق قولي هذا قول الشاعر المكي الجميل محمد علي ابراهيم بخاري السروجي حين قال :-

(فضيلة الصَّمت)

الصَّمت في زمنِ الخواء فضيلة
فامسك لِسانك لا تكن ثرثارا

البوح بالقول الجميل جماله
يزكي النفوس ويرفع الاخيارا

فاطلقه في زرع المبادئ يافتي
ودعِ الكلام يعطِّر الأعمارا

في الفتنة الكبرى تجنَّب دربها
وكن الأمينَ وأحفظ الأسرارا

فمثل هذا الشاعر وغيره اصبح لا مكان له في دنيا الناس في هذا الزمن العجيب فالدعوة لمثل هذا الصفات التي ذكرها شاعرنا تعد رذيلة لقد انقلبت الموازين وتحتاج الى من يعدّلها ويقومها ويسلك بها درب الفضيلة والحق والعدل اذاً لا بد للعقلاء والحكماء أن يعودوا إلى قيادة المجتمعات لترتقي الأمة وتأخذ مكانها ومكانتها كما اراد لها ربها يجب عليهم ان يلجموا الأفواه التي لا تطلق الا العفن والبذئ من القول تلك الأفواه التي لا تأكل الى اللحوم النتنة والجيف الملقاة على قنوات التواصل التي من المفترض أن تكون نعمة فقلبوها إلى نقمة ومنابر للتفاخر الزائف والشتائم والمهاترات والحزازات وتفريق الأمة وزحزحتها عن مكانها التي كانت عليها وكأن الأمة ينقصها تفريق وشرذمة فيحاولون تفريق المفرق وتجزئة المجزاء فيصتفون مع اعدائها وما هو الثمن مال مريب وشهرة هابطة
وكما قيل :-
اذا كان الغراب دليل قوم
يمر بهم على جيف الكلاب

وانا اگرم الغراب ذلك المعلم الأول للإنسان عن وصفه بما يفعل بعض البشر…
واخيراً أين نحن من مثل هذه الكلمات التي تعانق الجوزا جمالاً وحكمة وعلوا :-

أمة علمها حب السماء
كيف تبني ثم تعلو بالبناء
فمضت ترفل في وحدتها
وتباهي في طريق الكبرياء
بيد توسع في ازراقها
ويد تدفع كيد الأشقياء
سادت الأيام لما آمنت
أن بالإيمان يسمو الأقوياء
فإذا استشهد منهم بطل
كانت الجنة وعد الشهداء…..

هذه هي الغاية الأسمى التي يجب على الإنسان أن يعمل لأجلها وفي سبيلها لا دنيا زائفه أو شهرة مؤقته آنية يعقبها ندم طويل وحسرة ولات حين مندم.

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

3 تعليق على “الشهرة ذلك الغول الخفي

عبدالرحيم

لك تحياتي وتقديري على مقالاتك الراقية

ابو البراء

تحياتي وامتناني لك استاذي ابراهيم يحى القدير لقد شرح قلمك باللي في النفس سلمت وسلمت يدك شكرا جزيلا لحضرتك

وجهة نظر

الشهره وما ادراك ما الشهره ليسمح الكاتب القدير استاذنا ابراهيم ابوليلى ان اخرج قليلا عن السياق وذالك من باب العشم. سئلتني ابنتي عن المشاهير الذين تئثرنا بهم في شبابنا قلت لها فلان اشتهر بكثره التسبيح والتهليل عند ذهابه لمزرعته وعند العمل في المزرعه وفلان لا يتحدث الا قليلا ولكن اذا تحدث ينصت له الجميع احتراما وتقديرا لانه لا يقول الا الصدق ولا يخشي في الحق لومة لائم وفلان كان جوادا كريما محبا للخير فقلت لها سوف اسالك نفس السؤال من المشاهير الذين تتابعينهم في هذا الزمن وتئثرت بهم. قالت وبعد الذي سمعته للاسف لا يستحقون المتابعه وليس من المرؤه التئثر بهم ( فلحت ان صدقت) اصبح التطاول على حدود الله شهره والتمرد على القيم والمبادئ شهره وخرم المرؤه شهره وتسفيه اهل العلم شهره والتقليل من قيمه رجال الدين شهره والهياط شهره نسأل الله السلامه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *