يمكن تعريف الوعي الذاتي بأنه القدرة على رؤية أنفسنا بوضوح، واستيعاب من نكون، وكيف يرانا الآخرون، وكيف نتوافق مع العالم من حولنا.
ولعلَّ في الآية الكريمة: ﴿وفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصرُون﴾ إشارة جليّة لاكتساب تلك المقدرة،وفهْم المغزى العميق منها.
فإنَّ الإنسان إذا ما تفكَّر في نفسه استنارَتْ له آياتُ الهداية،وسطعَتْ له أنوارُ اليقين،واضمحلَّتْ عنه غمَراتُ الشكِّ.
فمنذ أنْ وَجّهنا أفلاطون إلى “أنْ نعرف أنفسنا” ظلَّ الفلاسفة والعلماء يُعددون مناقب الوعي الذاتي.
لكن المتأمل في الثقافة السائدة يلاحظ مبالغةً كبيرة في تقدير الذات يصل إلى الغلو والهوس المجنون في امتلاكنا القدرة على إحداث أي شيء،أو الوصول إلى أي أمر نريده.
إنَّ الفجوة المتزايدة بين كيفية رؤيتنا لأنفسنا وماهي حقيقتنا،ماهي إلَّا علامة واضحة لغياب الموضوعية والواقعية في فَهْم كينونة الوعي الذاتي الذي يبدو في جوهره أكثر اتساعاً ويغطي سماتنا الداخلية التي تتخطى عواطفنا (قيمنا وشغفنا وطموحاتنا وانسجامنا وأنماطنا واستجاباتنا وتأثيرنا في الآخرين) “وهو ما يسمى بالوعي الذاتي الداخلي” إضافةً إلى (رؤية الآخرين لنا) “وهو الوعي الذاتي الخارجي”.
إننا بتركيزنا على الجانب الأول،وإهمال النظر في الجانب الثاني؛تكون عيوبنا ظاهرةً وواضحةً للجميع ما عدانا نحن.
فالوعي الذاتي بهذه الصورة كما تتجلّى في المواقف اليومية تأتي لترسم لنا مشهداً تراجيدياً يتكثّف فيه (الوهم) في أوله،وتَتَضخّم فيه الأنا على نحو كبير،في حين تبرز فيه أساطير (الخرافة)في آخره،وتغدو العقول تُزّجي وقتها بسرد حكاياتها.
والملاحظ لهذا المشهد؛يشعر أنَّ ثمة خلل حدث تَمَثّل في الانتقال السريع من أول المشهد (الوهم) إلى آخره (الخرافة) دون التوقف بوسط المشهد حتى يتزوُّد عقل المشاهد بوفرة (التنوير والإدراك) التي تَحتشّد بشكلٍ واضح في كل تفاصيل حواراته.
ولكي يكون لدينا وعي ذاتي حقيقي،نحتاج إلى استيعاب أنفسنا،كما نحتاج أيضاً في الوقت نفسه إلى التعرّف على رؤية الآخرين لنا في توازنٍ فريد.
فالتوازن الهَشّ بين هاتين الكفتين يُفْضِي إلى المزيد من الأضرار بأنفسنا؛ذلك أنَّ الوعي الذاتي ليس حقيقة مستقلة بذاتها،بل هو مجموعة معقدة ومتداخلة من المعلومات والبيانات من وجهتي نظر مختلفتين وأحياناً متناقضتين،ووجود أحدهما بمفرده من دون الآخر يسبب أضراراً أكثر من الفوائد المُبْتغاة.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي