الدكتور عثمان السهيمي … وعلومه الإدارية !!

د. يوسف العارف

الدكتور عثمان السهيمي … وعلومه الإدارية !!
(قراءة في كتابه : علمتني الإدارة …)

(١) جميل أن يكتب الانسان ذاته .. ويتحدث عن قناعاته وسيرة حياته. ويسجل معارفه ومعلوماته، وينشرها بين الناس في أواخر حياته الوظيفية.

أقول هذا – وبين يدي كتاب (سيري) ماتع بعنوان (علمتني الإدارة) لصاحبه الدكتور عثمان علي السهيمي، الصادر عن دار الأوراق بجدة عام ١٤٤٢هـ.

يبهجك في هكذا إصدار، أن صاحبه يرصد -وهو على حالة من التذكر والعودة الذهنية إلى دهاليز الماضي الوظيفي- مواقف إدارية وتعليمية تعلم منها دروسًا وخبرات وتجارب ليقدمها للجيل القارئ لتكون معالما وفيوضًا إلهامية. ويهديها إلى قادة المستقبل ص٤.

هو يسميها (خواطر إدارية) و(مذكرات) أيضًا ص٥، ولكني -نقديًا- أسميها سيرة علمية وخبرات مكتسبة، يصوغها بلغة مبسطة، وتقريرية واضحة، وأفكار إدارية فيها نضج وفلسفة وتعليم، وقد أجملها في ثبتٍ توثيقي في آخر الكتاب أسماه (ملحق الأفكار) ص ص ١٣٠-١٤٣، وقد بلغت (٩٤) فكرة إدارية وتعليمية.

# # #

(٢) أذكر أنني دُعيت -في أواخر أيامي الوظيفية قبيل التقاعد بأيام قليلة- إلى إلقاء محاضرة وداعية وكان جمهورها قادة العمل الإداري والتربوي في تعليم جدة بحضور المدير العام ومساعديه ومديري المكاتب الإشرافية ومنهم صاحب هذا الكتاب واخترت للمحاضرة عنواناً لافتاً وهو: تعلمت من التعليم: شواهد وذكريات خلال ٣٨ عامًا من ١٣٩٧هـ- ١٤٣٥هـ. وها أنذا أقرأ هذا الكتاب فأجد كثيراً من التقاطعات الفكرية التي تجمع بيننا.

لكن أخانا الدكتور عثمان السهيمي يملك حاسة ذهنية تلتقط الفكرة وتحسن توظيفها وتوصيفها وفق السياق التي تجيء فيه فتشعر -كقارئ- بأنه يقدم تلك الخبرات والمكتسبات الإدارية بثقة الناضجين، وروح القياديين المؤثرين. وأساليب اللغوين المبدعين.

لقد أكد في بداية الكتاب أنه لن يلتزم بالتسلسل الزمني في هذه الخواطر/ الذكريات ولن يتمنهج بالطرق المتعارف عليها في كتابة الأبحاث والدراسات (أبواب وفصول) وإنما سيتركها حرة من التأطير والتقويس المعلوماتي/ المنهجي، وسيترك لقلمه “كتابة ماتجود به الذاكرة بعيداً عن النقل من الكتب الأخرى أو الأخذ من أفكار المؤلفين …” ص٦-٧.

ومع احترامنا لهذه الفلسفة الكتابية المقبولة نوعاً ما، لكن -ما لا يمكن إنكاره- أنه قارئ جيد ، وباحث معرفي متمكن، ودارس لمناهج البحث العلمية، وفاحص لأساليبها ومتتلمذ عليها، وعلى ذلك فهو يدرك أن “الأسد مجموعة من الخراف المهضومة” كما يقول الشاعر والفيلسوف الفرنسي بول فاليري، وهو يدرك أيضًا مقولة النقاد في مفهوم (التناص): الذي يعني أن أي نص جديد هو مجموعة نصوص سابقة تم قراءتها والإفادة منها بشكل أو آخر.

وقد سمعت منه شخصيا كلامًا كثيرًا فيه إعجاب كبير بكتاب الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- (حياة في الإدارة)، وكتاب الدكتور محمد الرشيد -رحمه الله- (مسيرتي في الحياة). ولا أستبعد أنه قرأ الكثير من الكتب الإدارية والسيرية، والفكرية والثقافية.

وهذا هو التفاعل النصي الذي يدخل إلى الذات القارئة ثم يتحول إلى مخرجات يظن أنها جديدة أو لا تمت إلى فكر من سبقه من المؤلفين !! ولكنها بالتأكيد رحلة دائرية/ لولبية مع الكلمة وتحولاتها الإيجابية !!

# # #

(٣) الجميل في هذا الكتاب (السير/إداري) أنه يحمل أفكارًا وتجارب إدارية وتربوية وفكرية، أفرد لها المؤلف ثبتاً/ ملحقاً في آخر الكتاب، وكان الأجمل والأكمل والأفضل -من وجهة نظري الناقدة- أن تكون تلك الأفكار الـ(٩٤) هي العناوين الرئيسية للكتاب، وتحت كل فكرة تأتي الشواهد والفوائد والخواطر والذكريات، وبهذا يتحول الكتاب إلى فصول، أو أبواب، أو محاور، أو أفكار، أو معالم إدارية مكتسبة، أو تأخذ أرقامًا تسلسلية !! وبذلك يتجذر عند القارئ السؤال المعرفي، والإجابة الإدارية المكتنزة بين السطور وحولها، وفي ذلك تسهيل على القارئ حتى يتواصل مع تلك الأفكار والخواطر والذكريات.

ولنأخذ مثلاً تلك الفكرة الإدارية رقم (١٨)، القائلة: “لاتوجد مؤسسة فاشلة أو غير ناجحة -الفشل يرتبط بآلية ترشيح القيادات وعدم قدرتها على حسن الاختيار” ص١٣٢. ونربطها بما جاء من تفاصيل حول الفكرة ذاتها على الصفحات ٢٠-٢٤. ويمكن تطويرها وتطويلها بالمزيد من الشواهد والخبرات القيادية التي عاشها المؤلف ضمن أدواره القيادية والإدارية والتربوية.

# # #

(٤) لقد تشظت هذه (السيرة الإدارية) عبر مواقع أربعة وكلها مواقع إدارية هامة وهي: موقع المؤلف وهو مدير للمدرسة الثانوية وهو أول عمل قيادي/ إداري يتولاه، ثم موقعه وهو مشرف للإدارة المدرسية، ثم موقعه الثالث وهو مساعد لمدير مكتب الإشراف، ثم موقعه الرابع وهو مدير لمكتب التربية والتعليم (النسيم، والشرق) ..
ومع قراءة الكتاب وجدت التركيز على مرحلتين تتجلى فيهما القيادة الإدارية والخبرات المكتسبة وهما: مرحلة القيادة للمدرسة الثانوية، ومرحلة القيادة لمكتب التعليم، فمن خلالهما تجلت الكثير من المواقف والخبرات الإدارية التي تعلمها المؤلف وجاء الكتاب راصدًا لها.

ففي مرحلة القيادة للمدرسة الثانوية وجدنا من المواقف والخبرات مايقارب الـ(ست٦) مواقف/ وشواهدها، أما في مرحلة القيادة لمكتب التعليم ومراكز الإشراف فقد تجاوزت المواقف والخبرات (٢٩ تسعةً وعشرين) موقفًا مع شواهدها وخبراتها المكتسبة التي تتجاوز ذلك بكثير.
وأما مرحلتي الإشراف التربوي للإدارة المدرسية، فلم نجد إلا موقفاً واحداً فقط، وفي مرحلة المساعد لمدير المكتب لم نجد مواقف محددة وربما أدخلها المؤلف في المواقف الخاصة بإدارة المكاتب التعليمية/ الإشرافية.
وفي كل تلك المواقف نجد توثيقاً ورصدا للحالة، وسبل التعامل معها ومعالجتها، “وخلاصة للقول” ثم الوصول إلى الخبرة المكتسبة، والفكرة الإدارية التي تعلمها ويريد نقلها للقراء والمستفيدين .. والتي لخصها ووثقها في نهاية الكتاب -كما أشرنا آنفًا- والتي بلغت: ٩٤فكرة.

# # #

(٥) وأخيرًا فإن الكتاب جميلٌ في محتواه مفيدٌ في مقاصده وغاياته، ويحتاج إلى قراءة تفصيلية أكثر، ومناقشة أشمل، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وهنا سأختم حديثي بالشكر الجزيل والتقدير الكبير لهذا الجهد التربوي والفكري والإداري لقامة تربوية عرفتها وعاصرتها وزاملتها طوال فترة عملي في التربية والتعليم وكان من خيرة من عرفت إدارة وقيادة وتفاعلًا وسمتًا وتعاونًا وإخاءً.

والحمدلله رب العالمين
جدة
٢٠-٢٥ /١٢/ ١٤٤٣هـ

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *