عندما خرج نيلسون مانديلا من السجن بعد سبعة وعشرين عاماً قضاها خلف القضبان قال عبارته المشهورة:
″في اللحظة التي خرجتُ فيها متوجهاً للباب الذي سيقودني لحريتي، علمتُ أنني سأبقى سجيناً إنْ لم أدع عني مأساتي وكراهيتي”.
ولعلَّ هذا القول يُذكّرنا بما قالته الكاتبة كاثرين بوندر في ذات السياق:
“عندما تحمل الضغينة تجاه الآخر؛ فإنك ترتبط بذلك الشخص، أو الحدث برباطٍ عاطفي أقوى من الفولاذ. إن الغفران هو السبيل الوحيد لِحلّ ذلك الرباط”.
إنَّ حمْل الجروح والأحقاد يضر باستمتاعك بيومٍ رائع فضلاً عن بقية حياتك.
لذا؛ فإنَّ من أكثر الطرق فاعلية لمواجهة ذلك الطوفان من الأحقاد هو حمْل النفس على المسامحة والغفران.
فنحن عندما نكره الآخرين؛ فإننا نمنحهم -دون وعي منا- سلطاناً علينا، وسلطةً نافذة تُقيّد حركتنا، وقوةً تُكبّل سعينا نحو ابتهاجنا بالحياة.
ومن المضحك والمثير للدهشة والتندُّر أنَّ أولئك الآخرين الذين نحمل عليهم كل ذلك الحقد نجدهم يبتهجون بحياتهم، ويُمّضون أوقاتهم في قضاء شؤونهم دون أن يعلموا أنهم سببوا لنا المزيد من القلق والتوتر.
إنَّ كُرْهنا لهم، وحمْلنا عليهم بالحقد والضغينة لا يؤذيهم، بل أنَّه يُحوُّل أيامنا وليالينا إلى سحابةٍ كثيفة من التَّجهُّمِّ والعبوس.
ولا سبيل للخروج من هذا المأزق العاطفي سوى حمْل أنفسنا على التسامح والغفران.
إن الغفران هنا لا يتعلق بالشخص الآخر بقدر ما يتعلق بك أنت شخصياً.
فغفرانك له لا يُلّغي ما اقترفه بحقك، لكن هذا الغفران يكون من أجلك أنت، من أجل استمتاعك بحياتك.
يقول الطبيب إيرا بايوك في كتابه (الأمور الأربعة الأكثر أهمية):
“أحياناً يكون الغفران أمراً صعباً إلى حدٍّ لا يُصَدّق، غير أنَّ الغفران ممكن المنال إذا أراد الناس التحرُّر من الماضي، والتمتع بالعافية وجمال الحياة”
ولذا؛ فمن المهم أنْ ندرك أنّه سواءً استفاد الشخص الذي أساء إليك من غفرانك أم لم يستفد، ليست هذه هي المسألة، بل هي نوعية حياتك أنت التي تعيشها قبل وبعد هذا الغفران.
فالغفران تأكيدٌ ذاتي عميق المعنى منك على مدى شجاعتك، وعظم جسارتك النفسية،وسعيك الواعي نحو التَّخلّي عن الجروح القديمة التي تُثّقلُ كاهلك، والشروع في مصافحة حياتك بقلبٍ طيب ونفسٍ راضية.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي