شَرَك المثالية!

قد يقضي الإنسان عمره كله من أجل بلوغ غاية، أو تحقيق هدف ظناً منه أن الظروف ستكون مثالية في تلبية ما يخطط له، وأن الأمور ستجري على نحو مثالي كما رسم عقله.
غير أنَّ المثالية التي ينشدها ليست ذلك الابن البار، أو الخادم المطيع.
إنَّ طبيعة الحياة تفرض علينا أن ندرك حقيقة أن من الأمور التي يمكنها إفساد حياتنا وزيادة منغصاتها هو الإصرار على أن تكون كل الأشياء تجري بصورة مثالية.
هذا الإدراك لهذه الحقيقة يجلب إلى عقولنا يقيناً قد يغيب عنا وسط سعينا الدؤوب نحو تحقيق درجة المثالية الكاملة، وهو أنَّ النقصان جزء أصيل من الحياة، وأن العالم بأسره مليء بالعيوب، ويملأ جسده الكثير من الندوب؛ فالورد الذي يُدهشنا منظره تصاحبه وتحفّه الأشواك أحياناً.
ولذا يمكننا أن نسمح بهامش لذلك النقصان، وتلك العيوب وحدوث الأخطاء.
إنه من خلال الإصرار على أن تكون حياتنا مثالية، وأن تسير أمورنا بشكلٍ مثالي، كأننا نرمي ما نملك ونزهد فيه في سبيل شيء قد لا يكون في متناول اليد.
هذه القناعة تمنحنا احتواءً يمكن من خلاله أن نتغاضى عن الأخ الذي حدثت منه هفوة، وعن الصديق الذي صدرت منه زلة، أو صدرت منه كلمة أزعجتنا خلال حديث عابر، وعن شريك الحياة الذي لم يحسن الاهتمام بنا في يومٍ ما، وعن الابن الذي تأخر في إنجاز المهمة المكلف بها.
إننا في بحثنا عن المثالية المنشودة؛ سنعيش حياتنا من دون الشعور بالرضا؛ لأن هناك دائماً ما لا يسير على ما يرام.
ويمكن قياس هذا على اليوم -كونه أصغر وحدة زمنية في الحياة- فقد لا يكون يومك جميلاً، لكن ثمّة جمال يسكن هذا اليوم. ومهمتك أن تستمتع بهذا الجزء الجميل، وتمنحه فيضاً من اهتمامك حتى يتمدد في ثنايا يومك.
إننا إنْ وقعنا في شَرَك المثالية؛ ستُمّنى نفوسنا بخسائر فادحة ونتائج مخيبة للآمال.
ولعلَّ السبيل للخروج من هذا الشَّرَك والانفكاك منه يكمن في الرضا والتسليم.
هذا الرضا يمنحك قدرةً على معالجة الندوب، ويمدك بقلبٍ مطمئن راضٍ يتدفق من شرايينه البعد عن المثالية، واحتضان عيوبك وتقبُّل النقصان، ويجعل منك إنساناً محباً لحياته لا ساخطاً عليها رغم عدم توافقها مع المثالية التي تسكن عقلك.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *