تفكير طالب ابتدائي!

تتوق النفس الإنسانية إلى أن تكون مُحقّة.
ففي أعمق أعماقها ثَمَّة لذّةٍ تتسلل خِفية إلى قلب صاحبها في لحظة انتصاره عندما يطرح رأيه في موضوع ما.
ولو أنَّ صاحب هذا القلب تأمَّلَ هذا الموقف؛ لوجد أنَّه بذلك قد أدخل نفسه في مواجهةٍ لابد أن يكون فيها مُحقّاً.
وحتى لو فرضنا أنَّه على حق، ربما سيقوده إشباع تلك اللّذّة الخفيّة إلى أن يُخَطِّئ الشخص المحاور له.
وهو بذلك الإصرار يغلق الباب، ولا يترك حَيّزاً لهامش حدوث الخطأ من قِبله.
فالإنسان ليس مضطراً لأن يكون مُحقّاً طوال الوقت، بل ليس مضطراً لمعرفة جميع الإجابات.
إنَّ أسمى أشكال المعرفة ألَّا تعرف؛ لأنه يترك الباب مفتوحاً على كل أنواع الاحتمالات.
صحيح أنَّه من المهم أنْ تعرف وجهتك، إلَّا أنَّ جهْلك بها يمكن أن يقودك أحياناً إلى أماكن مذهلة.
فالمكتشف كريستوفر كولمبس عندما أبحر أعتقد أنه سيكتشف طريقاً أقصر إلى الهند،لكن ما اكتشفه كان عالماً جديداً بالكامل.
إن حياة الإنسان محطات مختلفة من الاكتشافات، ويحتاج المكتشفون إلى معرفة كيف يتوهون بيسر وبراعة.
ولعلَّ مغامرة هذا الاكتشاف تبدأ عندما تشرع الروح بالتوقف عن التظاهر بمعرفة كل شيء، وضرورة الالتزام بما نعرف وما يجب أن نعرف، وأن نتقبّلَ ارتباكنا وافتقارنا للأمان، إضافةً إلى حاجتنا الضرورية إلى أن نتمثّلَ “تفكير المُبْتدِئ”.
إنَّ تَمثُّلّنا لمفهوم “التفكير المُبْتدِئ” يُشير إلى مدى قدرتنا على أن نكون أكثر نهماً -من دون فكرة مسبقة- إلى الكيفية التي ينبغي أن تسير عليها الأمور.
وهذا المفهوم يمنحنا فيضاً من السلام لقضاء يومنا دون أن يفسده موقفٌ عابر، كما أنه يساعدنا على رؤية أمورنا بعيني طفل.
إنَّ ذهنية “التفكير المُبْتدِئ” تجعل صاحبها زاهداً في الانتصار في حواراته ومناقشاته، كما أنها تمنحه القدرة على التخلي عن كونه خبيراً فضلاً عن كونه مُحقّاً؛وبالتالي يُمَكّنُه من الإصغاء إلى الآخرين بذهنٍ متفتح،  كما أنه يفسح المجال لرؤية الأمور بأسلوب مغاير بدلاً من الاستجابة تلقائياً بأنماط السلوك القديمة نفسها.
يقول الفيزيائي الفائز بجائزة نوبل (ريتشارد فينمان):
“أملكُ إجاباتٍ تقريبية، ومعتقداتٍ مُحتملة، ودرجاتٍ مختلفة من اليقين بشأن أمور مختلفة، لكنني لستُ متيقناً تماماً من أي شيء”.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *