قِدْر التونة!

بينما تسير بسيارتك في الطريق العام، فجأةً يُقرّر سائق إحدى السيارات الانتقال من المسار الأخير إلى المسار الأول من دون أن يُكلّفَ نفسه عناء استخدام مؤشره، أو مراعاة السيارات التي بينه وبين المسار الذي انتقل إليه. فما يكون منك إلَّا أنْ تضغط بسرعة على المكابح، وتشعر بتدفُّق الادرينالين في جسمك، وتنتقل بسرعة من حالة الخوف إلى حالة الغضب.
حينها تدرك أنَّ المزاج المطمئن الذي حظيتَ به قد ولّى، لكن فكرة بديعة قد تقفز إلى ذهنك قادمة من محيط وعيك مفادها:
لماذا أسمح لتصرف ذلك السائق بإفساد يومي؟
حينها تقوم بإبطاء سرعتك ونبْض أنفاسك، ومن ثم تشرع في اتّخاذ الخيار الواعي بالتخلّي عن ثورة وهيجان غضبك بصرف النظر عن كونك مُحقّاً.
وهو خيارٌ واعٍ؛ لأنك إنْ لم تسلكه؛ ستشعر أن العالم بأسره يتأمر ضدك، حتى ولو لم يفعل ذلك، لكنه بالتأكيد يبدو لك كذلك.
في كتابها الذي جاء بعنوان:
(لماذا تحتوي قدور الطبخ على التونة دائماً؟) تُعطي الكاتبة دارسي سيمز والمستشارة في مسائل الحزن مثالاً جيداً عن هذا الاصطفاف الذي نشعر أن العالم يقوم به ضدنا.
تقول الكاتبة:-
“كان العالم بأكمله يتربّص بي اليوم، كانت إشارات المرور في العالم أجمع حمراء من أجلي أنا وحدي اليوم. كانت الإشارة الخضراء من حظ الناس جميعاً ما عداي أنا”
وتكمل الكاتبة استرسالها في إسهابٍ عجيب لتدفُّق العقبات في طريقها ذلك اليوم.
ولعلَّ هذا الاسترسال يطرح سؤالاً لكل الناس الذي يقيم في رؤوسهم ذلك الوهم من النَّحسِّ الذي يُلازم يومهم:
ماذا تفعل إنْ بدا أنَّ العالم يسعى للنيل منك؟
هناك أمرٌ واحد مفيد تستطيع فعله، وهو احتضان موقفك بدلاً من لعْنه.
وليست ببعيد تجربة الفنان فيل هانسن، فحين كان في كلية الفنون تطور لديه ورمٌ في يده؛ ما منعه من رسم اللوحات التنقيطية التي أحبَّها؛ ولذلك تخلّى عن الفن لثلاث سنوات إلى أن اقترح عليه طبيب الأمراض العصبية أنه يستطيع احتضان الرّجفة بدلاً من السماح لظرفه بمنعه من إنتاج الأعمال الفنية.
وقياساً على تجربة هذا الفنان المغمور، من المؤكد أنك رُبَّما تخوض مرحلةً عصيبة من حياتك، ورُبَّما تشعر بالجزع إزاء ما يحدث، ورُبَّما تشعر بأن كل شيء يسير على نحو خاطئ، إلَّا أنَّ هذا لا يلغي الأشياء الإيجابية في حياتك.
وبشيء من التبصُّر؛ ستعي أن جزء من مفتاح اجتياز الصعوبات التي تواجهها يكمن في التركيز على ما هو جيد في حياتك بدلاً من التركيز على ما هو خاطئ فقط.
ويمكنك بهذه الطريقة تحويل يومك السيء إلى يومٍ يسكن تفاصيله شيءٌّ من اللطف والجمال.
إنك إنْ فعلت ذلك؛ لن تجد نفسك تتذمر بشكل مفرط من ذلك السائق المتهور الذي يزاحمك كل يوم في طريقك لعملك، وستدرك أن قدور الطبخ لا تحتوي على التونة فقط، وأنَّ طباخي العالم لا يتربّصون بنا، بل أنَّها تحوي الكثير من أصناف الأطعمة الشهية، ولا تقتصر على التونة فقط.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

2 تعليق على “قِدْر التونة!

ابوسعود

ماشاء الله مقال جيد جداً وفقك الله ورعاك واتمنى لك التوفيق ومزيدا من ابداعاتك وشكرا

نوال الشمراني

مقال واعي وحقيقة نعيشها يوميا في حياتنا اذا سمحنا للوهم بان يدخل الى النفس و يسيطر عليها سنصبح فريسة له ولعل نبينا عليه افضل الصلاة و السلام وضع لنا منهج في ذلك من التفائل و دعاء الصباح وحسن الظن بالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *