وصية جدتي مزنة!

‏يبدو أن وصايا الجدات كثيفة الحضور في أذهاننا. فهي تسكن القلب، ولا تغادر العقل.
‏بل أنَّها تستوطن تجاويف الروح.
ومن أشهر قصص الجدات القصة المشهورة التي تقول:
كان هناك بائعان يعملان لصالح شركتين متنافستين في صناعة الأحذية، وجرى إرسال كل منهما إلى منطقة نائية؛ بحثاً عن مناطق جديدة لتصدير الأحذية، لكن عندما وصلا تلك المنطقة النائية؛ وجدا أن الناس يسيرون حفاة طوال الوقت.
وما إن أدرك البائعان هذا الوضع؛ حتى بعثا رسالة إلى الشركة لإخبارهم حقيقة الوضع.
غير أن الرسالتين كانتا مختلفتين تماماً.
إذ كتب البائع الأول:
“لا ترسلوا أي أحذية. لا أحد هنا يرتدي حذاءً”
بينما كتب البائع الثاني:
“أرسلوا أحذيةً قدر ما تستطيعون. لا أحد هنا يرتدي حذاءً”
هذان البائعان اختبرا الموقف نفسه، ومع ذلك تصرفا وفق طريقتين مختلفتين تماماً.
وبمعنى آخر، نحن نصنع واقعنا الخاص.
ترى تجربتك بطريقةٍ ما في حين قد يراها آخر على نحو مغاير.
فالأشياء تكون على ما هي عليه، نحن من نمنحها معنىً خاصاً بنا يتوافق مع تجاربنا التي مرت بنا، وتصوراتنا التي سكنت عقولنا.
وكلّ واحد منا لديه القدرة على إعادة صياغة الأمور التي تزعجه. إذْ يمكن لنقلة صغيرة في تركيزك أن تسفر عن نقلة كبيرة في الإدراك وصولاً لحياةٍ مُبْهِجة.
قصةٌ أخرى ليست ببعيدة عن هذا المعنى، ذات طرافة ظاهرة ودلالة باطنة.
تقول القصة:
كان هناك رجل وامرأة متزوجان منذ أكثر من أربعين عاماً تقريباً.
لم يخفيا أسراراً عن بعضهما باستثناء امتلاك الزوجة لصندوق في أعلى دوﻻب الملابس، وقد حذَّرت زوجها من فتحه أو سؤالها عنه.
مضت السنوات، ولم يفكر الزوج في أمر ذلك الصندوق، ولكن في أحد الأيام مرضت الزوجة مرضاً شديداً، وأخبر الطبيبُ الزوجَ بأن الداء العضال قد فتك بجسدها، وأن منيتها قد أوشكت.
وفي محاولة لتسوية أمورهما؛ أنزل الزوج الصندوق، وأحضره لزوجته التي وافقت على أن الوقت قد حان كي يعرف ماذا في داخله.
ولما فتحه؛ وجد دميتين محاكتين يدوياً، ومبلغا من المال يقدر بـ 90 ألف ريال.
فقالت له الزوجة:
“لما قررنا الزواج، أخبرتني جدتي أنَّ سرّ الزواج السعيد يكمن في عدم الجدال. وقالت لي إنني في حال شعرتُ بالغضب الشديد منك، يحسن بي التزام الصمت وحياكة دمية”
تأثر الزوج كثيراً، وكاد يبكي من فرط تأثُّره.
قال لها الزوج:
“لم يكن في الصندوق سوى دميتين؛ يعني ذلك أنكِ لم تغضبي مني سوى مرتين طوال هذه السنوات”
وأردف الزوج مخاطباً زوجته:
“عزيزتي، هذا يفسر وجود الدميتين، ولكن ماذا بخصوص هذا المال كله؟”
قالت:
“هذا المال الذي كسبتُه من بيع الدُمى”!.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *