(5) وحان الموعد المنتظر لحفل تكريم أخينا سعادة الأستاذ إبراهيم عبدالله القاضي.. وهاهي قاعة الندوات والمحاضرات بإدارة تعليم العلا تكتظ بالحضور انتظاراً لتشريف سعادة المحافظ الأستاذ راشد بن عبدالله القحطاني الذي جاء في موعده ولكنه لم يستمر معنا طوال الحفل لظروف عمله الاستثنائية وارتباطاته المبرمجة سلفاً وقد رعى – حفظه الله – المناسبة منذ بداية انطلاقتها ثم قام بالمشاركة في تسليم الهدية الخاصة بالمحافظة للمحتفى به ثم ودع القاعة مستأذناً لظروفه العملية.
وبعد توديع سعادة المحافظ، استمرت فعاليات الحفل وفقراته، وكان للشعر حضوره الباذخ والمتألق.. إذ استمعنا إلى العديد من الشعراء والقصائد، والكثير من الأوبريتات واللوحات الإنشادية وكانت على النحو التالي:
قصيدة للشاعر د. يوسف العارف (أنا).
قصيدة للأستاذ عبدالرحمن البريكيت.
(شيلة) شعرية للأستاذ عبدالرحمن المورعي.
قصيدة نبطية للأستاذ سلطان القنيدي.
قصيدة للدكتور سعد الرفاعي.
قصيدة للأستاذ محمد القاضي.
قصيدة للعميد أنس المطلق.
أوبريت بعنوان: منهل الإبداع للأستاذ عبدالرحمن البريكيت.
قصيدة للطالب سعود سالم.
ولهذا أطلقت على هذه الاحتفالية: “احتفالية الشعر والشعراء في تكريم التربوي الأديب وصديق الأدباء”.
وقد أعجبني في هذا الحفل المبارك فعالية الهدايا والدروع التكريمية، فرغم كل هذا الاحتفاء المستحق من هدايا مالية، أو عينية أو شهادات ودروع تذكارية فهذه كلها دنيوية وزائلة إلا أن الأبقى والأدوم دنيوياً وأخروياً هي تلك الهدايا الوقفية التي أوقفها المهدون باسم المحتفى به لجمعية تحفيظ القرآن الكريم، وجمعية ذوي الاحتياجات الخاصة، وجمعية الأيتام وغيرها من الجمعيات الخيرية. فشكراً لهذه اللفتة الجميلة والرائعة والمتفردة والتي لم أشهد مثلها في المناسبات التكريمية التي حضرتها طوال عمري التعليمي والاجتماعي، ولعلها إحدى الفوائد التي ألزم نفسي بها في قادم الأيام وأقترحها على كل من يستطيع أن يقدم هذه النوعية من الهدايا الوقفية.
قلت آنفاً إن للشعر حضوره الباذخ ومن ذلك قصيدتي في هذا الحفل ومنها هذه الأبيات:
فأنت قرين فضل واصطبار
حباك الله علماً تربوياً
فتى رام المعالي فاحتواها
له نزجي القوافي خالدات
لإبراهيم أرتجل القوافي
فعذراً إن بدا حرفي سقيماً
|
|
وتقوى الله زاد خير زاد
تسخره لأبناء البلاد
وتوج سعيه يهدي الرشاد
كنقش حل في صم الجماد
نديات، ونيحملها مدادي
وشكراً كلما نادى النادي
|
ومن قصيدة الدكتور سعد الرفاعي نختار هذه الأبيات:
نحو العلا سرنا ورايات العلا
هرعت إليك مشارق ومغارب
فاهنأ (أبا فيصلْ) سموُّ عطائكم
وانْعَمْ بقادم متعة وسعادة
|
|
قد رفرفت حباً يحفُّ حبيبا
ولسانها يشدو الوفاء طروبا
الشكر كم يسعى إليه طلوبا
مادمت في كنف الإله قريبا
|
ومن قصيدة الشاعر سلطان القنيدي الشعبية/ النبطية نختار هذه الأبيات:
“ومن شان أبو فيصل ومن شان عزوته
أبا أرفع عقالي.. والمقام جليل
هذا قايد التعليم نبراس بالعطا
صنع مجد يضاهي بالعلو سهيل
تميز بصمته واحترامه وهيبته
وحاز الخصال النادرات أصيل”
ولعل من جماليات هذه الاحتفالية الرائعة مشاركة الطلاب والطالبات من مدارس العلا (مدرسة معاذ بن جبل المتوسطة ومدرسة الصديق الثانوية وطالبات المدرسة الثانية الابتدائية والسابعة الابتدائية بنات) في تجسيد اللوحة التعبيرية (الأوبريت) الذي كتب كلماته الشاعر عبدالرحمن البريكيت بعنوان (منهل الإبداع)، وكذلك مشاركة الطالب سعود سالم بقصيدة (شكر) من كلمات الشاعر كامل المرواني.
ولقد كان لهذا الحضور الطلابي والمشاركة الوجدانية كبير الأثر في نفوس المشاركين تربوياً واجتماعياً وأخلاقياً فمن هنا تغرس مثل هذه القيم في نفوس الناشئة وهذا هو دور المحاضن التربوية والتعليمية. فشكراً للقائمين على هذا البرنامج الاحتفالي والتنظيمي والإعداد والتدريب. وإن كان لي من ملاحظة في هذا السياق هو عدم مشاركة القسم النسائي في تعليم العلا إلا بالحضور فقط أما البرنامج فتسيده قسم الرجال والطلاب لولا مشاركة الطالبات من المرحلة الابتدائية في الأوبريت!!
ولا أنسى – وأنا في هذا المقام الاحتفائي – أن أشير إلى أهم وأبرز الجماليات التي زينت حفلنا هذا وصبغته بالصبغة الأكاديمية والعلمية والتوثيقية وهي إصدار كتاب خاص عن المحتفى به، سطره الزملاء والمجايلون والمعارف من زملاء المهنة ورفقاء الدرب وعارفي فضله، إضافة إلى طلابه وتلاميذه ومريديه، فكان هذا الكتاب “تكريماً على جهوده المميزة وتقديراً لمكانته الرفيعة في نفوس محبيه، واعترافاً بفضله وعطائه الثرُّ، وإقراراً بأثره الخالد في ذاكرة الأيام والأجيال” [من مقدمة الأستاذ سلطان القنيدي، معد الكتاب ومحرره ص 3].
وبالتأكيد فإن من يقرأ هذا السفر التربوي العظيم ليجد روح المؤلف/ المعد وتفانيه في جمع واحد وأربعين كاتباً وكاتبة من مناطق تعليمية مختلفة في أنحاء بلادنا المترامية والعامرة ومتابعتهم والتواصل معهم حتى وافوه بالكلمات التربوية والأخوية التي تعتبر شهادات ورصداً توثيقياً لسيرة ومسيرة المحتفى به وقد “تنوعت بتنوع دوافعها ومشاربها وتجاربها وتخصصاتها وتكشف عن جوانب عديدة عايشوها في شخصيته الكريمة [من المقدمة، ص 4] وفرغ وقته وجهده لقراءتها وتبويبها ومتابعة طباعتها ومراجعتها وتصميمها وإخراجها بهذا الشكل الجميل في كتاب توثيقي/ معرفي/ تنويري مع ما في ذلك كله من مشقة وجهد وسهر حتى وصل إلى أيدينا قراءً ومستفيدين. ولاأخفي مدى سعادتي بهكذا عمل توثيقي يؤرخ لسيرة الرجل وسيرته التربوية والاجتماعية.
ورغم كل هذا الإبداع والإنجاز والتفاعل المعرفي والتأليفي إلا أن لي ملاحظة لابد من طرحها وهي خلو هذا الكتاب المميز من الصوت النسائي من قيادات التعليم النسائي في العلا ومن مديرات المدارس والمشرفات التربويات ومن سيدات المجتمع العلاوي. ولم أجد فيه إلا صوتين فقط ويكفي أنهما من القيادات النسائية في الوزارة وهما الدكتورة عواطف بنت محمد العتيبي مديرة القسم النسائي بمركز الوعي الفكري والأستاذة ريم بنت علي أبو الحسن مدير عام نشاط الطالبات بالوزارة ولعل لأخي سلطان عذراً ونحن نلوم؟! ولكن له الشكر الجزيل على هذا الجهد المبارك وسيكون في موازين حسناته يوم الدين إن شاء الله رب العالمين، ويستاهل الدكتور سلطان القنيدي كل تقدير!!
(6) وانتصف المساء، ولازال صدى هذه الفعالية التكريمية تحفنا ذكراها ونحن على موائد العشاء العامرة التي أعدت خصيصاً لهذه المناسبة الاحتفالية برمز من رموز التعليم في محافظة العلا.. ولازال الحوار والنقاش يتنامى بين أهل العلا وضيوفها من خارج المحافظة فالجميع يدعوننا للضيافة غداً أو بعد غدٍ ونحن نبدي لهم الشكر والعرفان والاعتذاز قائلين لكل واحد منهم: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق فقد كفَّى التعليم ووفَّى وهذه ليلة تسجل في الذكريات الخالدة التي يصعب عليها النسيان.
وبعد العشاء غادرنا مبنى التعليم إلى نزلنا حيث أصر مضيفنا صاحب النزل الأستاذ إبراهيم البدير على إكمال السهرة في ديوانيته وشرب الشاي الأخضر برفقته والاستماع إلى محاضرته (الآيروتيكية) التي أشرنا إليها فيما سبق ولم نستطع الخلاص إلا بعد ساعتين أو ثلاثة قضيناها معه في متع عقلية وعاطفية وأدبية وعلمية وتربوية كان لزملائنا مديري التعليم دور أساس في تحريك المياه الراكدة.. وبسط الموضوعات الشائكة، وطرح التساؤلات التعجيزية، وتتبع الدلالات والإلماحات التعبيرية، حتى قال قائلهم: قوموا إلى مهاجعكم فقد حان وقت المنام وورائنا في الغد جولات وزحام وزيارات تنسيكم ما مضى من أيام!! ولم نجد بداً من القيام، والالتزام بما أجمع عليه المنظمون بكل احترام!!
(7) وأصبح الصَّباح يوم الأربعاء 15/4 وكنت على موعد مع الزميل سلطان القنيدي لنزور سوياً سعادة مدير التعليم ومساعده للشؤون المدرسية زيارة أخوية نهديهما فيها مجموعة من كتبي التربوية والشعرية والنقدية. وهاهي الساعة السابعة والنصف حيث يصل الأستاذ القنيدي وأنا أنتظره في بهو النزل وإذا بالزميل مدير التعليم الأسبق في محايل عسير الأستاذ هاشم الحياني يكمل ثلاثتنا في بهو النزل فتأخذنا الأحاديث عن سهرة البارحة والحفل التكريمي ولم نخبره بخطتنا الصَّباحيَّة ويبدو أنه أخذ في خاطره فقد كان بوده مشاركتنا أو الخروج معنا.. وقد أعرب عن ذلك تلميحاً أثناء طعام الإفطار فله العذر والشكر والعتب مقبول!!
وكذلك كان أخي الدكتور سعد الرفاعي قد أخذ على خاطره من هذه الجولة وعدم إشراكه فيها حيث تضامن مع الزميل هاشم الحياني في ذلك.. ورغم أن الأمر لايستحق قلت لهما لكما العتبى حتى ترضيا!!
زرنا إدارة التعليم ووجدنا المدير الأستاذ موسى محمد موسى الذي استقبلنا ورحب بنا واستضافنا في لقاء تربوي ماتع تناقشنا فيه مشاكل التعليم وفعالياته في ظل الوزارة الجديدة التي يقودها معالي الوزير الجديد يوسف البنيان والذي تشير سيرته الذاتية إلى أن اسمه ضمن قائمة أقوى الرؤساء التنفيذيين بالشرق الأوسط لعام 2021م وهو القادم من حقل (سابك) وفروعها المختلفة وإداراتها المتعددة بخبرات إدارية واقتصادية وتنفيذية تشهد له بالكفاءة والتميز ولعله بذلك يحدث تغييراً إدارياً وهيكلياً في وزارة التعليم!!
ثم زرنا الأستاذ علي سعد بن جبر المساعد للشؤون المدرسية صاحب الخبرات الإدارية المتعددة وهو شاب طموح فاعل ومنتج وعقلية حاسوبية وإدارية وتنظيمية يشهه له الميدان التربوي والتعليمي بكثير من النجاحات العملية والتربوية. وقد أحسن استقبالنا ودار الحوار بيننا حول جوانب كثيرة في المجال التعليمي والمدرسي، واستمر اللقاء حوالي النصف ساعة تقريباً غادرناه بعدها إلى قسم النشاط المدرسي حيث قابلنا مجموعة من المشرفين بقيادة مديرهم الشاب الأستاذ يوسف بن محمد البلوي ودار الحوار والحديث عن الأمسية التكريمية والدور الكبير الذي قدمه النشاط الثقافي في هذه التظاهرة التي يستحقها الأستاذ إبراهيم القاضي مدير التعليم المتقاعد والذي تم تكريمه مساء البارحة!!
مقالات سابقة للكاتب