الحقيقة الخامسة!

ثَمَّةَ معاناة تسكن ُكلَّ واحدٍ مِنّا، ويرغب في التحرر منها، والانعتاق من ألمها.
وكأنَّ هذه المعاناة غدتْ جواز عبور إلى الحياة، وتذكرة دخول لمدن أراضي سنواتها.
والمتأمل لأحوال الإنسان في حياته؛ يجده موشوماً بمعاناةٍ ما أصابته على حين غرة.
فما من إنسان إلَّا لَثَمتُه شظايا المعاناة سواءً شَعَرَ بها أو لم يشعر.
ومن الطبيعي أن يتفاوت الناس في معاناتهم، ويتباينون فيما بينهم فيها، بل وحتى في مقدرتهم على المواجهة، وشجاعتهم على تجاوزها.
وفي ضوء هذا الاستيطان القسري لأرض حياتنا من قبل المعاناة؛ لعلَّ من المرجح القول بوجود أربع كما يظن أغلب الناس،وهذه الحقائق تتمثل في:
المعاناة، وجود سبب لها، والرغبة في التخلُّص منها، وطريقة التخلُّص منها.
لكن ما يغلب على ظني وجود حقيقة خامسة تكاد تكون هي الحقيقة الأولى، وقد وُجِدتْ قبل الحقائق الأربع. وهذه الأربع ما وُجِدتْ إلَّا بسبب وجود الخامسة السابق لها في الأصل.
إنَّ الحقيقة الخامسة -أو على الأصح- الحقيقة الأولى هي غيبوبتنا، لا وعينا بالمعاناة.
هناك معاناة، لكننا لا نعيها. وبسبب هذا اللاوعي نعيش في المعاناة، لكنها لا تقلقنا.
وهكذا تنقضي حياتنا في هذه الغيبوبة الضبابية.
وفي هذه الغيبوبة، الحقُّ لا يتجلَّى لأعيننا؛ فتتواصل الأحلام عمّا لا وجود له.
إنَّ ثَمَّةَ عمى تجاه الحاضر، والعينان مركّزتان على المستقبل.
وفي سكرة الأحلام السارة هذه بالمستقبل؛ تبقى معاناة الحاضر خفيَّة محجوبة.
وبهذه الطريقة؛ المعاناة لا تُرى، والخلاص منها لا تغدو مسألة مُلِّحة.
ومن هنا يمكن القول بأن الحقيقة الأولى -حقيقة أننا غير واعين بالمعاناة- لا وجود لها في وعينا، مع أن الحقائق الأربع الأخرى تتولَّدُ عن تلك الغيبوبة.
إنَّه في اللحظة التي نُفيّقُ من غيبوبتنا ونعي الحقيقة الأولى “الغيبوبة” سنرى رأي العين تلك الحقائق وقد خَفَّ ضررها، وأنَّ ألمها بدأ في التلاشي، وفي طريقه إلى الزوال؛ ذلك أنَّ القضاء على المعاناة والتحرر منها يَحدثُ عند تغيير حالة الوعي، وليس في التحرر من حزنٍ بعينه.

سليمان مسلم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *