يتشبث الإنسان في هذه الحياة بالدنيا الفانية وبمغرياتها ويتقلب فيها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً باحثاً عن مصدر السعادة وهو “الحب” .
و”الحب” من أسمى المشاعر الإنسانية التي خلقها الله تعالى داخل النفوس البشرية ومصدره نابع من القلب ولا يكون من تصنع الإنسان بل تخرج كلماته تلقائيًا نتيجة لترجمة مشاعره .
ومما يؤسف له أن هذه الكلمة الجميلة “الحب” قد ابتذلت في هذا العصر وارتبطت بمعاني أخرى غير لائقة بها ولا تمتُ لها بصلة ! .
و”الحب” أمر سامي ورد في كتاب الله عز وجل .
ومن ذلك قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) .
و”الحب”من علامات الإيمان لقوله ﷺ ( ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهن حَلَاوَةَ الإيمَانِ – وذكر منها – : أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ ) .
عرفنا الحب قبل الوالهينا
وذقنا كأسه من طور سينا
********
وعلمنا البرايا خير حُبٍ
عفيف الردنِ مرضياً أمينا
********
رأيتُ الحبَ “حُبَ” الله حقاً
“وحب” محمدٍ والصالحينا
********
فَخُذْ من روضه نفحاتُ ودٍ
لتثمر في الفؤادِ الياسمينا
وإن من أعظم “الحب”حب الله وصفاته كما قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه “مفتاح دار السعادة” (٢١٤/١–٢١٥) :
“وقد بشَّر النبي ﷺ الرجل الذي كان يحب سورة الإخلاص ،وقال : أحبها لأنها صفة الرحمن عز وجل ،فقال :(حبك إيَّاها أدخلك الجنة).
وفي لفظ آخر :(أخبروه أن الله يحبه ) .
فدلَّ على أنَّ من أحب صفات الله أحبه الله وأدخله الجنة “.
🔹هديه ﷺ في “الحب” : يتضح لنا بيان هديه صلى الله عليه وسلم في الحب بماذكره الإمام الذهبي -رحمه الله – في “السير” : (٣٩٤/١٥) بقوله:
“وكان ﷺ يحب عائشة ..
ويحب أباها ..
ويحب أسامة ..
ويحب سبطيه ..
ويحب الحلواء والعسل ..
ويحب جبل أحد ..
ويحب وطنه ..
ويحب الأنصار ..
إلى أشياء لا تحصى مما لا يغني المؤمن عنها قط” .
ومن جميل مايذكر عن “الحب” ماسطره يراع أديب الفقهاء الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله – في كتابه “قصص من التاريخ” (ص ٧٢-٧٣) حيث قال :
“الحب أُحْجِيَّة الوجود. ليس في الناس من لم يعرف الحب، وليس فيهم من عرف ما هو الحب. الحب مشكلة العقل التي لا تحل، ولكنه حقيقة القلب الكبرى.
الحب أضعف مخلوق وأقواه، يختبئ في النظرة الخاطفة من العين الفاتنة، وفي الرجفة الخفيفة من الأغنية الشجية، وفي البسمة الـمُوْمِضة من الثَّغر الجميل، ثم يظهر للوجود عظيما جباراً فيبني الحياة ويهدمها، ويقيم العروش ويَثُلُّها [يهدمها]، ويفعل في الدنيا الأفاعيل..
لولا الحب ما أشرقت الشمس وغمرت الأرضَ بنور ربها، ولا منحتها الدفء والحياة، ولولا الحب ما التف الغصن على الغصن في الغابة النائية، ولا عطفت الظَّبْية على الطَّلا في الكِناس [الطَّلا: ولد الظبية، والكِناس: بيت الظبي] البعيد، ولا حنّا الجبل على الجبل في الوادي المتعزِّل، ولا أمدَّ الينبوع الجدولَ الساعي نحو البحر. ولولا الحب ما بكى الغمام لجدْب الأرض، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع، ولا كانت الحياة “.
وان من مقتضيات المحبة الدعاء للمحبوب
فإذا أحبَبْتَ شخصًا ؛ فليكن معك في دُعائِك دون عِلمِه ، فهكذا يكون “الحُبُّ”: أجمل ، وأصفى ، وأنقى ، وأقرب .
ولا أدلّ على ذلك مما ثبت عن النبي ﷺ حين قال : ( يا معاذ ، والله إنِّي لأحبُّك ، والله إنِّي لأحبُّك ، فقال: أوصيك يا معاذ ، لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاة أن تقول: اللهمَّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) .
وعليه فإن “الحب” ليس مجرد عبارة قصيرة مختصرة تقال إنما هو مشاعر وأحاسيس جياشة تُحس وتتذوق.
و “الحب ” شئ يراه الكفيف ويسمعه الأصم وينطقه الابكم ، فما أجمل أن نحرص جميعاً على نشر ثقافة “الحب” بين أفراد الأسرة والمجتمع حتى يسود ألأمن والطمأنينة جميع البشر.
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب