نبدو في كثيرٍ من أحوالنا بين إقبال وإحجام.
إقبالٌ نحو الأمور التي نرغبها، حتى وإِنْ تَمَنَّعَتْ، وإحجامٌ عن الأشياء التي نزهد فيها، مع أنها تُلّقِي بنفسها على قارعة طريقنا.
وأمام هذا التَّناقض العجيب -الذي غالباً لا نكتشف أمره إِلَّا في وقت متأخر من حياتنا، بعد أنْ تطير بالوناته في فضاء غيرنا- نحن بحاجة إلى تأمُّلٍ من شأنه تفكيك كينونة تناقُّض الممكن واللاممكن في حياتنا.
إنَّ ما يعزز وجود هذا التَّناقُّض في حياتنا، هو عَوزْنا إلى التفرقة بين ما يمكننا تغييره، وما لا يمكننا تغييره.
ويمكن لنا بَسْط هذا العَوز عبر النظر إلى حالنا مع الأحداث التي تمرُّ بنا، فتأخُّر رحلتك بسبب الظروف الجوية، لن يؤدي صراخك وتذَمُّرك في وجه الموظف إلى إنهاء صعوبة الظروف الجوية. كما أنَّه لن يجعلك القدْر الذي تبذله من التمني في أن تزداد طولاً أو قصراً، وخصامك الدائم وشجارك المستمر مع شريك حياتك؛ لن يغير طبعاً متجذراً في جينات سلوكه، كذلك بذْلُّك الكثير من المحاولات؛ لن تحمل ذلك الإنسان الذي تعشقه أو تحترمه أنْ يُبادلك الشعور نفسه.
إنَّ الحكمة تقتضي منك أنْ تسلك سبيلاً آخر غير الذي سلكته في المرات السابقة دون جدوى، سوى أنها أفْضَتْ إلى الوقوع في المزيد من الأخطاء، وأن تدرك أيضاً أن تصرِفَ ذلك الوقت الذي تقضيه في لوم نفسك على تلك الأمور التي لا يمكنك تغييرها أو الحصول عليها في فعْل أشياء كثيرة يمكنك تغييرها أو الحصول عليها.
ولعلَّ وعينا بماهيّة فَنّ الممكن وفَنّ اللا ممكن يمنحنا ثلاثة أشياء:
أولها: السكينة والرّضا؛ لكي نتقبَّل الأمور التي لا يمكن تغييرها.
ثانيها: الشجاعةَ؛ لتغيير الأشياء التي يمكن تغييرها.
ثالثها: الحكمةَ؛ لنتمكن من التمييز بين الممكن واللا ممكن.
وبدون اكتساب هذا الوعي العميق؛ يَظلّ الإنسان يُحَارِبُ في معركةٍ لا يمكنه الفوز بها.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي