تَحتلُ رداءة المحتوى مساحةً كبيرة في مشهد وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام؛ حتى غمرتْ التفاهةُ المشهدَ، وغدتْ ترنداً، وحققتْ نسبة مشاهدة ومتابعة منقطعة النظير، بل والأكثر تداولاً.
إننا أمام حالة قيمية تستوجب تحليلاً ثاقباً ومتعمقاً يُعيِّدُ للقيم مكانتها، وتصدُّرها للمشهد الاجتماعي من جديد، بعدما طغتْ التفاهة، وتسيّدتْ الساحة، وتصدرتْ الترند.
ولعلَّنا بحاجةٍ إلى وخزاتٍ من أسئلة الإفاقة واليقظة بعد أن نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في ترميز التافهين، وأصبح لديهم القدرة على فرْض أنفسهم على شاشات جوالاتنا، كل ذلك عبر تطبيقات هلامية لا تنتج قيماً،ولا تحفظ نفْعاً.
وحتى نكون أكثر إنصافاً وموضوعية؛ فإنَّ على المؤسسات التربوية (الأسرة، المدرسة، المسجد، الإعلام، الجامعة) دور كبير في نشر القيم والفضيلة، وألَّا يتوقف دورها فقط على التصدي، بل في المزاحمة؛ سعياً للوصول إلى أكبر شريحة من المتابعين.
كذلك للنخب الثقافية الدور نفسه، فبدلاً من اعتلاء المشهد والنظر إليه بفوقية وازدراء، عليها توعية العامة بتوصيف المشهد توصيفاً دقيقاً، مع تزودينا بخارطة طريق للخروج من هذه الأزمة الثقافية.
وعلى عامة الناس حمْل أنفسهم على محاولة تجاوز هذه الأزمة الثقافية، فلا يتناهون عن ملاحقة مَنْ تَردّى محتواه في نهارهم، ويهجعون إليه في ليلهم، وألَّا يتسابقون في تبرئة أنفسهم، ولوم غيرهم.
مع أن هذه نسقية ثقافية متجذرة في نفوس السواد الأعظم من الناس.
هذه الأدوار من كافة شرائح المجتمع (مؤسسات تربوية، نخب ثقافية، عامة الناس) من شأنها أن تمنحنا دَفْقاً من الأمل الواعي في إعادة صياغة المشهد الاجتماعي من جديد، وتشكيله وفق قيمه الإسلامية بعدما ظنَّ الكثير أن الغلبة للتفاهة وأهلها ومنهم الكاتب الكندي آلان دونو الذي قال في كتابه الشهير (نظام التفاهة):
“إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام”
وكل ذلك يتطلب منا جميعاً همةً عالية، ورؤيةً نافذة، وبصيرةً ثاقبة.
بعكس من رَضِي أن يكون تافهاً؛ فَرَاودَ الشهرةَ الفارغة عن نفسها عبر تَملُّصه من قيمه، وتَجرُّده من مبادئه؛ ابْتغاء المال، والحظوة، والتقدير الزائف، وبضع كلماتٍ تُرمى له على قارعة مقاطعه، ويلتقطها؛ ليُشبع به نهم نفسه الجوفاء.
فما أنبل من أن تكون صاحب رسالة في محتواك الذي تطرحه، وما أشنع أن يكون هَمّ المرء أن يتصدر المشهد، وتُسلَّط عليه الأضواء بصرف النظر عن المحتوى الذي يقدمه.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي