نستقبل هذه الأيام عَامًا دِرَاسِيًا جَدِيدًا مُشْرِقًا بالأمل والتفاؤل ، يجب أن نستثمره ونجعله بدايةً لرحلة مليئة بالنجاح والطموح ، ونعقد فيه العزم والهمة على تجديد العطاء العلمي والمعرفي.
وبهذه المناسبة أوجه عدة “رسائل وتوجيهات” من أجل عام دراسي مميز ومثمر ؛ تظهر مخرجاته على سلوكيات أبنائنا وبناتنا فيكون لذلك الأثر الأكبر في حياتهم العلمية والعملية.
الرسالة الأولى: أوجهها إليك يا “ولي الأمر” بأن تغرس في نفوس أبنائك وبناتك حب العلم وأهميته والإخلاص في طلبه ؛ فإنه سبب الرقي والفلاح والنجاح.
وبطلب العلم تكون الرفعة في الدارين قال تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }.
العلم يرفع بيتًا لا عماد له
والجهل يهدم بيت العز والشرف
وطلب العلم عبادة من العبادات وسبب أيضاً من أسباب دخول الجنة لما ثبت من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من سلك طريقا يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقا إلى الجنة).
وأوصيك أيضاً بحث الأبناء على أداء الصلوات في أوقاتها وتعويدهم على الأذكار في الصباح والمساء ، وعند ذهابهم لمدارسهم ينبغي توديعهم بالدعاء لهم بالتوفيق وتحفيزهم لتلقي العلم.
الرسالة الثانية: إليك أيها ” المعلم” فإن التعليم رسالة نبوية وليس مجرد وظيفة فإذا أخلصت في تدريسك واحتواء طلبتك فإنه سيكون لدينا عام دراسي مميز بطلاب العلم وحملته.
فالمعلم هو القدوة الحسنة لطلابه، يجب أن يكون ذا خلق وسمت في تدريسه وتوجيهاته ويسعى في بناء الأجيال ونشر العلم والمعرفة بعطائه الثري المتميز .
والمعلم الناجح هو من يراعي أحوال الطلاب عند سؤالهم عن أماكن سفرهم في الإجازة فبعضهم قد يمنعه اليتم والفقر من السياحة والسفر.
ويحرص أيضاً على أن يصقل موهبة القراءة وحب الاطلاع لدى الطلاب ويشعل روح المنافسة والإنجاز فيما بينهم ولا سيما في الأبحاث والدراسات العلمية.
والمعلّم مشعل نور ساطع في سماء العلم ، فهو يُعلّم الأخلاق والقيم السامية، ويوسع مدارك الطلبة ، وينقلهم من الظلام للنور والمعرفة ، ولذلك يستحق منا كل التقدير:
يا شمعة في زوايا “الصف” تأتلق
تنير درب المعالي وهي تحترق
لا أطفأ الله نوراً أنت مصدره
يا صادق الفجر أنت الصبح والفلق
وقد علمتني تجربتي الدراسية أن “المعلم” يستطيع أن يترك أثرًا من شخصيته ومعارفه على الطالب يتذكره طيلة حياته.
الرسالة الثالثة: لأبنائي الطلاب وبناتي الطالبات بأن يجتهدوا في طلب العلم منذ البداية بإخلاص النية لله تعالى ورفع الجهل عن النفس ، وجعل مخافة الله عزوجل أمام أعينهم بتقواه في السر والعلن لأنها سبب في تحصيل العلم قال تعالى : [وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ].
وأوصيكم باحترام المعلم والاعتراف بفضله ، وكذلك بترتيب الأوقات والأولويات ، والحرص على المذاكرة وأداء الواجبات في وقتها وعدم تراكمها ، وكثرة القراءة في المناهج والاطلاع في جميع الفنون لتكوين ثقافة عامة وتوسيع مدارك الذهن ، وزيارة العديد من المكتبات ومعارض الكتب فإن ذلك يساهم في نشر الوعي المعرفي والاطلاع على الجديد من الكتب والأبحاث العلمية.
وللشعر حضوره في مثل هذه المناسبة المشرقة فهذه سباعية لأخينا الشيخ الشاعر أبو حمد عثمان الأنصاري بعنوان [العودة للمدارس] يقول فيها:
ياطالبَ العلمِ شَمِّر فيه مغتبِطا
وقُم إلى الدرسِ مهتماً به نَشِطا
لا تُصغينَّ لقولِ الزاهدينَ به
والجاهلينَ وماحَثُّوا إليه خُطَا
من كان يجهلُ فضلَ العلمِ فارْمِ بِهِ
ولا يكونَنَّ من أصحابِك الخُلَطَا
بالعلم سُدْنا وعلمُ الوحيِ أشرفُهُ
به سَمَوْنا وكُنا الأمةَ الوسَطَا
أنرتضِي الجهلَ والرحمنُ أكرَمَنا
ونشتري بكنوزِ الحكمةِ السّقَطا
فانهضْ بعزمٍ ولازِمْ كلَّ صالحةٍ
من المكارمِ وائتِ الدرسَ منبسِطا
شواهدُ العلمِ في أخلاقِ حامِلهِ
من رام علما بلا سَمْت فقدْ غلِطا
فما أجمل أن يبدأ أبناؤنا الطلاب عامهم الدراسي الجديد بالجد والاجتهاد لينالوا بذلك درجة التميز والنجاح.
🔘 إضاءة:
ها هي الإجازة قد مضت أيامها ، وتصرمت ساعاتها ، وكأنها لم تكن ، غنِم فيها من أحسن استثمارها وخسِر من أضاعها ؛ {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
خالد بن محمد الأنصاري
مقالات سابقة للكاتب