كان يتلمَّس السعادة عبر ركضٍّ دؤوب وراء المتعة والمكانة الرفيعة، ولكنه كُلّما ازداد سعيه من أجل الوصول إلى حالة الرضا؛ بدا بعيد المنال.
وبالنظر في حال هذا الرجل؛ يبدو أن مشكلته الأساسية تكمن في أنه لم يعي جيداً كيفية العيْش على نحو جيد، فهو لديه القدر البسيط من المعرفة حول كيفية حدوث السعادة، وليس فقط فيما يتعلّق بالسلوك الذي يُفْضي إلى الرفاهية، بل كان يعوزه المعرفة اللازمة حول كيفية التعامل بمهارة مع تجربته الحياتية ذاتها؛ بسبب افتقاره للوعي الكافي بأنماط التفكير، والشعور، والتَّعلُّق.
وبعد وقت طويل أمضاه في هذا التَّخبُّط، بدأ في محاولة تعلُّم أنْ يكون أكثر سكوناً، وأن يتفحص داخله، وأن يعي الأنماط الذهنية التي تُوجّه سلوكه على نحو لا واعٍ.
وبالفعل بدأتْ تظهر انفراجةً صغيرةً، ونوعاً من بعض الارتياح، رافق ذلك إمكانية صُنْع خيارات جديدة يقودها حسُّ النداء القلبي بعد أنْ تمكن أخيراً من الإصغاء إليه.
وهذا الوصول لم يأت عن طريق مطاردة الأحلام، بل من خلال الالتفات إلى الحقائق، ومعرفتها جيداً، حتى عندما تكون مؤلمة.
إن هذا الوصول يأتي عبر صقْل نهج جديد للحياة.
فإذا لم نكن مدركين لما يحدث داخلنا، فضلاً عما حولنا؛ سيكون من الصعب معرفة ما الذي يُحرّكنا، وبالتالي يكون من الصعب أنْ تتغيّر الأمور.
وبالتالي ربما نجد أنفسنا نمارس سلوكاً ما، ولكن جَهْلنا بالأنماط الذهنية التي تدفعنا إلى ذلك السلوك؛ يحكم علينا بتكراره دون وعي.
ونتيجةً تَشَبثُّنا غير الواعي بعادتنا الذهنية؛ نمضي في الحياة كالرجل الذي يمشي أثناء نومه.
فكلما تدربنا على العمل بهذا الفهم العميق لأنماطنا الذهنية، بدلاً من كوننا مسيرين نحو ردود الأفعال التلقائية؛ ظهرتْ لنا إمكانية التغيير الواعي في حياتنا.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي