قبل أكثر من عشرين عاماً، ذَكَرَ الدكتور عبدالوهاب المسيري في محاضرةٍ له:
“سيأتي اليهودي الذي يصلي العشاء معنا”
عند تأمُّل هذا القول بعيداً عن السياق الذي جاء فيه؛ تَطيّرُ بالذهن طيور الأسئلة، وأسراب الدهشة؛ فوجود اليهودي معنا في صلاة العشاء بهذا الوصف يُعَدُّ مفتاحاً للتأويلات، ومُحَرِّضَاً لفيضٍ من التساؤلات؛ ليفتح لنا أُفقاً أوسع، وفضاءً أرحب، يتجاوز ما ذهب إليه الدكتور المسيري؛ ليستحضر بعض الشخوص الذين يلازموننا في صلواتنا الخمس، تَفعل فِعْلة اليهودي، ثم تركض في تفاصيل أرواحنا رموز معنى أفعالهم مع الأذى المعبأ بتاريخ المواقف، وأحاديث الأرواح المُتعَبة.
ولعلَّ استحضار اليهودي، وصلاة العشاء كرمزٍ دلالي؛ يُفْضِي إلى اتّساع المعنى، وعدم قَيُّده في سجن المفردة ذاتها.
وبهذا الاستحضار الدلالي لرمزية اليهودي، وصلاة العشاء القابع داخل بعضنا؛ يمكننا قياس ذلك على كل من يصاحبنا في الزمان والمكان، سواءً في محيط العمل، أو الاستراحة، أو حتى في محيط الأسرة، وما ينتج عن سلوكهم معنا.
فهو يقوم برِجْس مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان؛ فقد شتم هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، وفتَنَ بين هذا وذاك، وفرَّقَ بين المرء وزوجه، وسعى بين الناس بالنميمة والوشاية، ولا يرتاح له بال إلَّا حين يرى عناقيد فعلته تتدلّى على رؤوس البيوت كأنها شهبٌ مُّسْتَنفِرَة.
فَثَّمَةَ جِيّناتٍ في أحشاء هذا اليهودي تنمو وتتكاثر على سلبياتٍ يَنفثها، وعوراتٍ يود كشْفها، وخصوصياتٍ يتسلل إليها.
ولعلَّ من جميل القول، ونُبْل المعنى أنْ يربأ المرء عن فِعْلهم، وأنْ يترفع عن مَسْلَكهم، وحسبه في ذلك أنْ يَمُدَّ جسوراً من الخير والمحبة لكل من يلقاه في طريقه، وأنْ يكون مُعِيّناً لهم، مُلّهِمَاً لعقولهم، مُرّشِدَاً لقلوبهم؛ فإنَّ من أحسن فِعْله، وأجاد صنيّعه؛ وجبت على الناس محبته، ورغِبوا في صحبته.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي