في رثاء الزميل والصديق الاديب الناقد الأستاذ الدكتور عالي بن سرحان القرشي (رحمه الله) ..
(1) الموت حق علينا قد عرفناه
في كل حين ينادينا فنلقاه
يختار منا خيار الناس منزلة
وما جزعنا.. لأن الراحم الله
رحم الله فقيد الأدب والثقافة.. أخانا الدكتور عالي القرشي ..
وجعله من الشهداء الأبرار، وإلى جنات الخلد مع الأخيار!!
بهذه الرثائية المختصرة/ الموجزة تواصلت مع أسرة الفقيد (يرحمه الله) حالما وصلتني أخبار الوفاة ظهيرة اليوم الأربعاء 1/5/1445هـ وكان قد توفي يوم الثلاثاء 30/4/1445هـ في القاهرة.
(2) والدكتور عالي القرشي، اسم في المشهد الثقافي السعودي والإقليمي والعربي لا تخطئه الذاكرة ولا ينساه التاريخ، فقد حمل مشعل النقد التطبيقي منذ ظهور الحداثة في بلادنا، وتكأكأ نقادها على النص الشعري والسردي الجديد / الحداثي وتعالقوا معه استبصاراً وانتاجاً ومجايلة، وكان (عالي) أحد رموزنا النقدية، معتدل في آرائه، وسيط في توجهاته، ملتزم في إنجازاته. لم يدخل في صراعات الحداثة والتقليد،وإن مسه شيء من نيرانها الصديقة، ولم يتعالى على النصوص التقليدية والكلاسيكية أو يتجاهلها فكان تراثياً على نفس المسافة والقدر من كونه حدائياً.
أشرف على ورشة منتدى عكاظ الثقافي في جمعية الثقافة والفنون بالطائف، وأدار فعالياتها النقدية والسردية والإبداعية فترة طويلة قدم فيها الوجوه الشابة، والأسماء المعروفة، وآخى بين الأجيال الأدبية في تظاهرات ثقافية مائزة يقدرها العارفون بفضلها وجمالها. وأذكر أنني كنت أحد المشاركين في أمسياتها النقدية حيث شاركت في كثير من الأمسيات بأوراق نقدية مثل:
- قراءة نقدية في ديوان (سقط سهواً) للشاعر إبراهيم الوافي.
- قراءة نقدية في ديوان (حبنا من الضوء) للشاعر مسفر الغامدي.
- قراءة نقدية في ديوان (مفكر باعتداد) للشاعر أحمد البوق.
- قراءة أولية في ديوان (موقف الرمال) للشاعر سيد البيد / محمد الثبيتي يرحمه الله مساء الاثنين 13/ 9 / 1423هـ.
- قراءة في ديوان ( أسمر كرغيف) للشاعر عبد الرحمن الشهري مساء الاثنين 1/5/1425هـ.
وعندما دفعت بكتابي النقدي الأول إلى نادي المدينة المنورة لطبعه ونشره عام 1427هـ/2006م وكان عنوانه: في فضاءات الشعر السعودي المعاصر.. أهديته إياه بهذه العبارات:
” إلى الدكتور عالي القرشي/ الرمز السعودي وهو يلح علي في كتابة النقد، ويحفزني بمثل هذه المتابعات له ولمنتدى عكاظ الثقافي بجمعية الثقافة والفنون بالطائف التي احتضنت أغلب هذه القراءات أهدي هذه الإضمامة النقدية” .
المؤلف
(3) و(عالي القرشي)، اسم نقدي سعودي/ عربي لا تخطئه أقلام الرفاق، ولا تتناساه الذاكرة النقدية والثقافية. ملأ الساحة بطروحاته النقدية التي تحولت الى كتب مقروءة، ومراجع مدروسة، وهامشاً للتداول النقدي والفكر/ أدبي. وملا المشهد الثقافي بمشاركاته في الندوات والمؤتمرات والصالونات الأدبية حضوراً مبهجاً وتعليقات تعقيبية وفضاءات معرفية/ إنتاجية.
أذكر من منجزاته النوعية كتابين كان لهما حضورهما القرائي والاحتفائي وهما:
شخصية الطائف الشعرية الذي صدر عام 2016م وهو كتاب يوائم بين المكان والخطاب ويؤلف بين الذات الكاتبة والمكان المكتوب عنه، فتتضح صورة الطائف عبر استنطاقات الشعراء وشجونهم المرتبطة بهذا المكان.
الكتاب الثاني: تحولات الرواية في المملكة العربية السعودية، الصادر عام 2013م، الذي رصد فيه العديد من التحولات بدءاً من جيل الرواد الذين كتبوا الرواية وصولاً الى الجيل الجديد من الكتاب، متطرقاً الى النماذج الروائية المائزة التي تعتبر من النقاط التحولية في مسار الرواية السعودية. وقد فاز هذا الكتاب بجائزة وزارة الثقافة والإعلام عام 1434/2014م.
وجميع كتبه وأطروحاته التي بلغت ثلاثة عشر كتاباً تقريباً تحمل جمالياتها العتبائية، وفضاءاتها النقدية، وأسلوبيتها البلاغية بحيث تشير إلى كاتبها الأستاذ عالي بن سرحان القرشي، فله بصمة كتابية يمتاز بها عمقاً وموضوعاً ومعالجةً!!
ولكل هذا أصدر نادي الطائف الأدبي – في لفتتة ثقافية مميزة – الأعمال الكاملة، لدراسات وكتب الدكتور عالي القرشي وذلك في العام 2021م، وذلك عرفاناً بجهوده المتميزة في المشهد النقدي محلياً وعربياً.
(4) و(عالي القرشي) يرحمه الله رجل بدرجة إنسان، أخلاقه عالية، ورؤاه مستقبلية، وتواضعه إحدى السمات والصفات لا يصطنع خصومات مع أحد، ولا يجافي أو يتعالى على أحد، يسلك دربه إلى الأمام ولا ينظر للخلف، مثل السفينة تشق عباب الماء/ البحر ولا تسأل ماذا يصنع الماء خلفها!
رجل صادق / صدوق، كتب عني في أخريات أيامه مقالاً أدبياً ثقافياً ونشره في جريدة الجزيرة في الملحق الثقافي 11 يونيو 2021م بعنوان قراءة في الجهود الثقافية للدكتور يوسف العارف، سكب فيه من روحه وانسانيته مالا استحقه، يقول عني رحمه الله: “إن العارف يناقش القضايا التي تبرز في المشهد الثقافي بهدوء الباحث الواثق من معالجته والمقلب للأمور على وجهاتها المختلفة مما يجعل القارئ على قناعته يحسن المعالجة…”
شكراً -عالي القرشي- على كل كلمة قلتها فيّ مكتوبة أو منطوقة، فقد اخبرني الابن (يوسف) ونحن في مطار جدة ننتظر وصول الجثمان من مصر/ القاهرة مساء يوم الأربعاء في مبنى الجمارك أن والده – رحمه الله – كثير الثناء والذكر الطيب على شخصي وكل هذا جزء من تكوينه الإنساني، والأخلاق العالية والبر بزملائه ورفقاء دربه ومعارفه.
(5) وختاماً فلا أملك إلا الدعاء بالرحمة والمغفرة لهذا الفقيد و أن يكون قبره نوراً وجنةً ونعيماً، وأن يكون ما أصابه من أمراض تطهيراً وكفارة وتعظيماً للأجر وأن يلهم الأهل والأولاد الصبر والسلوان.
يقول الشاعر الدكتور عبدالله باشراحيل في رثائية خاصة نشرت في صحيفة المدينة يوم الخميس 16 نوفمبر 2023م – 3/5/1445هـ:
يال (عالي) وما الجرح تنـــزَّى ودموعي تسح والفقد غالـــــــي
قــاربت بيننــا الدنــا وافترقنــــا ويـــحها عند موتنا لا تبـــالــي
كل شـيء نعـاك والـــــكل بـاك حين غادرت في سباق المعالي
وأقول أنا نقلاً عن (سعيد السريحي):
وها أنت … يا أيها السيد الموت
تأتي لنا / لنختار أنفسنا
ثم نمضي وتتركنا!!
ليس هذا رثاء / ولكن في حضرة السيد/ الموت
ينتهي كل شيء / طل شيء
ولا يبقى سوى السيد / الموت!!
والحمدلله رب العالمين.
د. يوسف حسن العارف
جدة مساء الجمعة
3/5/1445هـ.
مقالات سابقة للكاتب