اللص الذي سرق ختم القبيلة!

يبدو أننا نميل إلى تكرار القرارات نفسها، والطرائق ذاتها في التعامل مع المشكلات التي تواجهنا.
فهناك نمطٌ تسير عليه حياتنا، يتضح في إخفاقاتنا وعثراتنا.
والمتأمل لهذا الأمر؛ سيجد أن هناك ثَمَّة عاملٍ يتوارى في الخفاء، لكنه هو من يُسيّرُ الأحداث نحو وجهة محددة.
وهذا العامل يكمن في طبْعنا الذي تعودنا وتربينا عليه.
 ولعلَّ ما يحفزنا نحو تأكيد هذا العامل، هو أن أصل كلمة (طبْع) في اليونانية القديمة يُشيّر إلى آلة النَّقْش والأختام؛ وبذلك فإن الطَّبْع شيء متأصل فينا، ويجبرنا على التصرف بطرق معينة دون وعيٍّ منا.
ويمكن لنا تَصوُّر هذا الطَّبْع بثلاث طبقات أساسية، وكل واحدة منها ترقد فوق الأخرى؛ لتمنح للطبع عمقه وتجذُّره.
وأولى هذه الطبقات تَشكُّلاً وأعمقها، تأتينا من مورثاتنا، من الطريقة التي رُكِّب بها دماغ كُلٍّ منا؛ وهي التي تجعلنا ميالين إلى أمزجةٍ بعينها، وخياراتٍ دون غيرها.
وثاني هذه الطبقات التي تتشكل، فهي آتية من سنواتنا الأولى في الحياة، ومن النوع الخاص من التَّعلُّق الذي أنشأناه مع أمهاتنا.
ففي السنوات الخمس الأولى تكون أدمغتنا مِطْوُّاعة إلى حدٍّ كبير؛ فنشعر بالعواطف على نحو كثيف؛ فتخُطّ في أدمغتنا آثاراً لذكرياتٍ أعمق من كل ما سيمر بنا.
وثالث هذه الطبقات تتشكّلُ من عاداتنا وتجاربنا مع تقدمنا في العمر.
وبِناءً على الطبقتين الأولى والثانية؛ ترانا نميل إلى أساليب معينة في مواجهة الصعاب، أو في البحث عن البهجة والسعادة.
وتصبح هذه الأساليب عادات تترسخ في شبابنا، وتحدُث تعديلات في الطبيعة الخاصة لطبعنا، تعتمد على من نتعامل معهم، وعلى كيفية استجابتهم لنا.
وقد تبرز طبقةٌ رابعة في مراحل الطفولة المتأخرة والمراهقة؛ حيث يصبح الإنسان مُدْرِكَاً لنقائض طبْعه؛ فيقوم بإخفائها قدر الإمكان، فمثلاً إذا شعر أن في أعماقه شخص قلق، أو جبان، فإنه يدرك أن هذا الطبع غير مقبول اجتماعياً؛ فتراه يعمل على تمويهه بمظهره، ويعوضه بمحاولة الظهور بمظهر الإنسان الاجتماعي الودود، أو السعيد خالي البال، أو حتى المستبد المتعجرف.
وبالعودة إلى أصل كلمة طبْع؛ نشعر أنَّ هناك ثَمَّة لصٍّ سرق ذلك الختم، وبدأ في تَمْهِيّر أدمغتنا بطبائع خلاف ما نريد؛ حتى غدونا وكأنه لا حيلة لنا إلَّا التسليم بما ورثناه عن آبائنا الأولين.
فمن يجده، عليه أنْ يُسلّمه إلى أقرب شيخ قبيلة، لعلَّنا نُعيّد تشكيل حياتنا وفق غايتنا الأسمى، وليس وفق أهواء ذلك اللص.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

4 تعليق على “اللص الذي سرق ختم القبيلة!

أحمد بن مهنا

السبورات الفارغة من كتابة المعلمين في الفصول الدراسية تمتلئ بشخبطة الطلاب التي لاتخلو من سوء الكلام ..

مقالة كالعادة تثير التفكير … وهنا نحو كيفية البحث عن ختم القبيلة ليس فقط لاستعادته بل لختمه هو كذلك ليعرف لو سرق أو ضاع … شكرا أ. سليمان

سليمان مُسْلِم البلادي

تعبيرٌ أنيق ومعنى عميق.
كعادتك تصنع الدهشة بكلماتك أستاذنا القدير ا.أحمد بن مهنا

عبدالحكيم بن عبدالعزيز البلادي

مقال رائق كعادة أستاذنا القدير الأستاذ سليمان في طرح الفكرة بأسلوب عذب يدعو للتأمل.. والمتدبر للكتاب العزيز يجد أنه قد كشف عن بعض طباع الإنسان والتي هي قدر مشترك عام بين البشر ثم ذكر ما يقوّم تلك الطباع ويهذبها؛ كقول الحق سبحانه: ﴿كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغى ۝ أَن رَآهُ استَغنى ۝ إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجعى﴾ [العلق: ٦-٨]؛ فالطغيان سلوك للنفس البشرية قد ينحو إلى أن يكون طبعًا عند الغنى، وما يزكي النفس ويهذبها ويردعها عن هذا السلوك هو تذكر الرجوع إلى الله في الحياة الآخرة، وأمثلة هذا كثيرة في الكتاب العزيز.
وهناك من الطباع ما يختلف فيها الناس لدرجة التضاد كالشجاعة والجبن، والحلم والجهل، والأناة والعجلة..
هذا تأمل، ولا أزعم القطع بعلمية ودقة هذا التقسيم.. ولعله يكون من البحوث التي يعنى بها المهتمون بهذا الجانب..
شكرًا أستاذ سليمان.. وسلم بنانك ويراعك🌹

سليمان مُسْلِم البلادي

إثراء مفيد ا.عبدالحكيم
كل الشكر والتقدير لحضورك البهي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *